وسواد وبياض ، وما أشبه. والسر هو أمر الله وتدبيره في خلقه (وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ) بساتين من الكرمة (وَزَرْعٌ) من أنواع شتى (وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ) هي النخيلات من أصل واحد غير متنوع لأن النخل على أنواع (وَغَيْرُ صِنْوانٍ) هي النخيلات من أصول متنوعة ، وخص الأعناب والنخيل بالذكر لأنهما الثمر الغالب أو مظهر الثراء أو هما معا في ذاك العصر ، ويشعر بذلك قوله تعالى : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً) ـ ٣٢ الكهف».
(يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ) كالمطر أو البئر أو النهر ، وأيضا المكان واحد بالقرب والمجاورة ، ومع ذلك يختلف الثمر لونا وحجما ورائحة وطعما ، والسر تدبير الله وحكمته (وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ) على الرغم من ان وسائل التكوين والنمو واحدة (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ). أي ان في هذا التفاوت مع وحدة المكان والماء والهواء دلائل واضحة على وجود المدبر الحكيم عند من لا يؤمن بشيء إلا بعد التفكر والتدبر. ومن أقوال الإمام علي : لا علم كالتفكر ، ولا حسب كالتواضع.
وأحسن شرح لهذه الآية بمجموعها ما جاء في رسالة الرد على الدهريين للسيد جمال الدين الافغاني ، قال «إذا سئل داروين عن الأشجار القائمة في غابات الهند والنباتات المتولدة فيها من أزمان بعيدة لا يحدها التاريخ إلا ظنا ، وأصولها تضرب في بقعة واحدة ، وفروعها تذهب في هواء واحد ، فما السبب في اختلاف كل منها عن الأخرى في بنيتها وشكلها وأوراقها وطولها وقصرها وضخامتها ورقتها وزهرها وثمرها وطعمها ورائحتها ، فأي فاعل خارجي أثر فيها حتى خالف بينها مع وحدة المكان والماء والهواء؟. أظن انه لا سبيل الى الجواب سوى العجز عنه .. وإذا قيل له : هذه أسماك بحيرة أورال وبحر قزوين مع تشاركها في المأكل والمشرب وتسابقها في الميدان ، نرى فيها اختلافا نوعيا وتباينا بعيدا في الألوان والأشكال