ولكن ما أكثر العبر ، وأقل الاعتبار ، ومن أجل هذا استدرك سبحانه ، وقال (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ) وغير مغفول عنهم.
(وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ). والمراد بالصدق هنا الخصب بدليل قوله تعالى : (وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) والمعنى اسكناهم بعد هلاك فرعون بلادا خصبة طيبة ، واختلف المفسرون في تحديد هذه البلاد ، فمنهم من قال : هي فلسطين. ومنهم من قال : هي مصر ، وهذا هو الأرجح لقوله تعالى : (فَأَخْرَجْناهُمْ) ـ اي فرعون وقومه ـ (مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ) ـ ٥٨ الشعراء». فالآية صريحة في ان الله اسكن بني إسرائيل ديار فرعون وقومه.
(فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ). المراد بالعلم هنا التوراة كما نزلت على موسى (ع) ، وكان فيها الإخبار بنبوة محمد (ص). وكان بنو إسرائيل قبل نزولها كلمة واحدة في كفرهم وضلالهم ، وبعد ان جاءتهم التوراة اختلفوا فيما بينهم على عهد موسى وبعده ، فقد تمرد عليه أكثرهم ، وعبدوا العجل ، وقالوا له : أرنا الله جهرة .. واذهب أنت وربك ، الى غير ذلك مما سجله عليهم القرآن (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) حيث لا كذب في ذلك اليوم ، ولا رياء ، ولا شيء إلا الحق يظهر للجميع جليا واضحا.
(فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ (٩٤) وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ (٩٥) إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٩٧))