(وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً). والمراد بمكر الله إبطال مكر الماكرين وتدبيرهم. انظر تفسير الآية ٥٤ من سورة آل عمران ، فقرة الله خير الماكرين ج ٢ ص ٦٨ (يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ) لأنه واسع عليم (وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ) يوم ينقلبون الى ربهم ، ويقولون : هذا يوم عسير.
(وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً). أنكروا رسالة محمد (ص) رغم البينات والدلائل .. لأنها حرب وثورة على الظلم والطغيان ، وعلى كل تقليد يحول دون الإنسان وحريته وأمنه وسعادته.
(قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ). أمر الله نبيه في هذه الآية ان يقول للمشركين : إذا أنكرتم رسالتي فإن الله يشهد بأني رسول من عنده ، وأيضا المنصفون من علماء التوراة والإنجيل يشهدون بذلك .. هذا هو المعنى الظاهر ، وهو المراد ، وعليه جميع المفسرين ، ونحن معهم ، ولكنا نلمس من وراء هذا الظاهر معنى كبيرا وجليلا ينطبق على كل من آمن بالحق وعمل به ، وأنكره عليه المفسدون في الأرض ، ولاقى منه ما لاقاه الأنبياء والمصلحون ، ويتلخص هذا المعنى الكبير الجليل الذي ترمز اليه الآية بأن كل من استراح ضميره الى شيء وشهد معه الوجدان السليم فإن الله أيضا يشهد وملائكته والمنصفون من عباده بأنه على حق ، نبيا كان أو غير نبي.
وتسأل : متى يكون الإنسان مرتاح الضمير ، ويشهد معه الوجدان السليم؟. الجواب : ان الإنسان لا يكون من أهل الضمير الحي والوجدان السليم الا إذا آمن بقيم انسانية كالعدالة والحرية والصدق والأمانة ، وما الى ذلك مما يعود خيره على الجميع ، ومتى آمن الإنسان بالقيم ، ولاءم بين تصرفاته وإيمانه استراح ضميره وشهد له وجدانه ، ومتى وقع الانفصال بين التصرف والايمان تأرق ضميره ، وأنحى عليه لوما وتقريعا.