ورسوخها إلى بوم القيامة ، وعليه يكون المعنى ان الله سبحانه ينسخ أو يقر الشريعة كلا أو بعضا حسبما تستدعيه الحكمة والمصلحة ، وهو جلت عظمته عالم بما يصلح العباد وما يفسدهم ، فينهاهم عن هذا ، ويؤمرهم بذاك دواما أو مؤقتا على مقتضى علمه بأمد المضار والمنافع .. وتكلمنا عن النسخ عند تفسير الآية ١٠٦ من سورة البقرة ج ١ ص ١٦٩.
(وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ). هذه الآية تتصل بالآية ٣١ من هذه السورة ، وهي قوله تعالى : (وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ). ووجه الاتصال ظاهر حيث قال الله لنبيه : انه سينزل العذاب على من كذبه لا محالة ، ثم قال له في الآية التي نحن بصددها : سواء أريناك عذابهم أم توفيناك قبل ذلك فان مهمتك الأولى والأخيرة ان تؤدي رسالتك على وجهها وكفى وما عدا ذلك علينا ، لا عليك.
(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها). الأرض كرة لا أطراف لها كما للجسم المسطح ، ولكنها كبيرة تتسع لملايين الأجناس والأنواع من الكائنات والمخلوقات ، وهي في تغير دائم .. فبينا يرى الإنسان أو يسمع ان هذه البقعة من الأرض آهلة بالسكان وأسباب الحضارة وأنواعها ، وتلك البقعة صحراء جرداء وإذا بالآهلة خراب يباب ، وبالصحراء جنات وعيون .. وأهل الأرض كذلك : حضارات تحيا ، وأخرى تموت ، وملك يقوم ، وآخر يزول .. وهكذا دواليك ، لا يدوم بؤس ولا نعيم في هذه الأرض .. قال الإمام علي (ع) : «احذروا الدنيا فإنها غدارة غرارة ، خدوع معطية منوع ، ملبسة نزوع ، لا يدوم رخاؤها ، ولا ينقضي عناؤها». وقوله تعالى : (نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها) يشير الى هذا المعنى ، وان العاقل يتعظ ويعتبر بهذه التقلبات والتغيرات : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ـ ١٠٩ يوسف».
(وَاللهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ). وقد حكم بالهلاك على القوم المجرمين ، فنفذ فيهم حكمه وبأسه : (وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ) ـ ١١ الرعد».