والمعنى ان الله تعالى يكلف العباد بتكاليف ليطيع من أطاع مختارا ، ويعصي من عصى مختارا ، ثم يجازي الله كلا بما يستحق ، وتكلمنا مفصلا عن معنى الاختبار من الله عند تفسير الآية ٩٤ من سورة المائدة ج ٣ ص ١٢٦ (وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ). يعيد الله العباد يوم القيامة ليتميز المبطل من المحق ، ويكافئ كلا بما يستحق.
(وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً). أي ان الله سبحانه لو أراد أن يكره الإنسان على الايمان لكان الناس كلهم أمة واحدة ، ولكنه ترك الإنسان وما يختار ، إذ لو سلبه الحرية والاختيار لكان شأنه شأن الحيوانات والحشرات ، وتقدم الكلام عن ذلك مفصلا عند تفسير الآية ١١٨ من سورة هود ، والآية ٣٤ من سورة الأنعام. (وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ). لا شك ولا ريب عند العقل ان الله لا يضل ولا يهدي أحدا قهرا عنه ، ولو الجأه ألجأه إلى الضلالة والهداية لما صح أن يسأله ويحاسبه ، مع انه قال صراحة ، وبلا فاصل (وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ، ومعنى الآية ان الله سبحانه يعتبر الإنسان ضالا بعد ان يسلك مختارا طريق الضلال ، ويعتبره هاديا متى سلك سبيل الهداية ، تماما كما يميته إذا انتحر : وينجيه إذا لم يلق بيده الى التهلكة. وسبق الكلام عن الهدى والضلال عند تفسير الآية ٢٦ و ٢٧٢ من سورة البقرة ج ١ ص ٧٠ و ٤٢٦ والآية ٨٨ من سورة النساء ج ٢ ص ٣٩٩.
(وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٩٤) وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّما عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٩٥) ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما