على معصية. وقيل : ان المراد بتوكيدها تشديدها وتغليظها ، وهذا اشتباه ، حيث يصير المعنى على هذا ان اليمين التي لا تشدد فيها لا يجب الوفاء بها .. مع العلم بأن كل يمين متى تمت يجب الوفاء بها سواء أتشدد الحالف وأغلظ بيمينه وعزمه ، أم لم يتشدد ويغلظ.
(وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً). كل من حلف بالله فقد جعل الله كفيلا وضامنا الوفاء ، فإن أخلف فقد خان الله بالذات ، واستحق العقاب والعذاب (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) فمن وفي بعهده ويمينه أثابه ثواب المطيعين ، ومن نكث وخان عاقبه عقاب العاصين.
وتجدر الاشارة الى ان كلا من العهد واليمين ينحل بطبعه إذا كان تركه خيرا من فعله ، فمن حلف بالله أو عاهده أن لا يأكل اللحم ـ مثلا ـ وكان في الترك منفعة صحية له ، إذا كان كذلك انعقد العهد واليمين ، فلو طرأ على صحته ما يستدعي أكل اللحم ينحل العهد واليمين ، ويأكل اللحم ولا شيء عليه ، وقد جاء في الحديث : «إذا رأيت خيرا من يمينك فدعها».
(وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً). بعد قوة أي بعد ابرامه .. وكل شيء ينقض بعد فتله وابرامه فهو نكث ، غزلا كان أو حبلا ، وقد شبه سبحانه ناقض العهد والايمان بناقضة الغزل بعد ابرامه. وقيل : كان بمكة امرأة حمقاء تغزل صوفها في الصباح ، وتنقضه في المساء ، وان الله شبه بها ناقض اليمين ، ومهما يكن فإن الآية توكيد لقوله تعالى : (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها).
(تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ). حذف من الكلام همزة الاستفهام الانكاري ، والتقدير أتتخذون الخ. والدخل هو الشيء الفاسد والمفسد ، ومنه المكر والخديعة ، وأربى أي أكثر ، والمعنى لا تجعلوا ايمانكم وسيلة للغدر والخيانة ، وذلك بأن تحلفوا للذين هم أكثر منكم وأقوى ليطمئنوا إليكم ، ويثقوا بكم ، وأنتم في نفس الوقت تضمرون أن تنقضوا الايمان ، وتتركوا الذين حلفتم لهم متى رأيتم أقوى منهم عدة ، وأكثر عددا ، ويتلخص المعنى بكلمة واحدة : لا تغدروا.
(إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ). ضمير به يعود الى أمره بالوفاء بالعهد واليمين ،