ذلك ، ولا عرفوا كيفية الانتفاع بها ، ولذلك سخروا وتعجبوا .. والمعروف ان الفينيقيين من أوائل من صنع السفن وركب البحار ، ونقل أبو حيان الأندلسي في تفسيره «البحر المحيط» عن ابن عباس ان نوحا قطع خشب السفينة من غابات جبال لبنان .. وان دل هذا على شيء فإنما يدل على ان جبال لبنان كانت معروفة بالغابات منذ القديم .. وكذا الفينيقيون قطعوا أخشاب سفنهم من هذه الغابات.
المؤمنون والمستهزءون :
(قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ). جهلوا حقيقة السفينة والغرض منها ، ولم يحسبوا لمخبآت الدهر وملماته ، فاسترسلوا مع أهوائهم يهزءون ويسخرون ، أما نوح فقد كان على ثقة من أمره وانه يصنع ما يصنع بعين الله ورعايته ، وانه ومن معه بمنجاة من الهلاك ، وان مصير الساخرين الى الغرق لا محالة ، وهذا المصير هو الذي سخر منهم ، أما نوح فبيان الواقع وترجمانه.
وما أشبه المستهترين بالدين من شباب هذا العصر بالذين كفروا من قوم نوح. سخر هؤلاء من سفينة النجاة ، وسخر الشباب المستهتر من المؤمنين ، وقالوا : أصلاة وصيام في القرن العشرين؟. تماما كما قال الذين كفروا : أسفينة في اليابسة ، حيث لا بحر ولا ماء؟. جهلوا حقيقة السفينة وأسرارها ، فسخروا من نوح ، وجهل الشباب أسرار الصوم والصلاة ، فسخروا من الصائمين المصلين ، أفأمن الشباب المستهتر الهازئ بالدين وأهله ان يصيبهم ما أصاب الذين سخروا من نوح وسفينته؟.
(حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ