كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ). ان الله لا يخلق الغواية في الإنسان ، ولو فعل لسلبه انسانيته ، ولكن قضت سنة الله في خلقه ان من سلك بإرادته طريق الغواية كان حتما من الغاوين ، تماما كما قضت بهلاك من ينتحر مختارا .. وبهذا الاعتبار صحت نسبة الغواية إليه تعالى. وسبق الكلام عن ذلك عند تفسير الآية ٧٤ من سورة يونس ، فقرة : «حول الهداية والضلال» (هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) ولا مفر من لقائه وحسابه وجزائه.
(أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ). ظاهر السياق يدل على ضمير يقولون عائد الى قوم نوح ، وهاء افتراه الى الوحي الذي بلغهم إياه ، والمعنى قل يا نوح لقومك : ان كنت كاذبا فيما أقول كما تزعمون فأنا وحدي المسئول عن ذلك ، وعلي إثمه وعقابه ، وان كنت صادقا فأنتم المسئولون ، وعليكم وحدكم يقع عقاب التكذيب ، وأنا بريء من أعمالكم وجرائمكم.
وقيل : ان هذه الآية جاءت معترضة في قصة نوح ، وانها نزلت في مشركي قريش ، لأنهم ارتابوا في صدق محمد (ص) حين تلا عليهم هذه القصة ، فأمره الله أن يقول لهم : لا عليكم ان كنت مفتريا ، فعليّ وحدي تبعة ما أفتري .. وهذا المعنى جائز في نفسه ، ولكنه بعيد عن ظاهر السياق.
(وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٣٧) وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ (٣٨) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ (٣٩))