المعنى :
(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً). ابراهيم وإسماعيل هما اللذان بنيا البيت في مكة المكرمة : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ) ـ ١٢٧ البقرة». ودعا ابراهيم ربه ان يجعل الناس آمنين في مكة على أنفسهم ، واستجاب دعوته ، وكان الاعداء وما زالوا يتلاقون فيها ، ولا يخاف بعضهم بعضا ، والى هذا أشار سبحانه بقوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) ـ ٦٧ العنكبوت».
(وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ). ومحال ان يعبد ابراهيم الأصنام ، وكيف وقد حطمها بيده ، وقال لقومه : (أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) ـ ٦٧ الأنبياء». ولكن رسل الله وأنبياءه ـ على عصمتهم ـ يخافون المعصية. وهذا الخوف من أعظم الطاعات ، ومن رأى نفسه تقيا نقيا فقد فتح النوافذ فيها للشيطان.
وتسأل : ان ابراهيم طلب من الله ان يجعل أبناءه مؤمنين ، لا يشرك واحد منهم بالله ، وابراهيم نبي مرسل مستجاب الدعوة ، مع العلم بأن الكثير من ذريته قد أشركوا وعبدوا الأصنام ، ومنهم كفار قريش الذين هم من نسله وسلالته؟.
ونقل الرازي عن المفسرين خمسة أجوبة ، ولكن السؤال ما زال قائما يطلب الجواب عنه .. والذي نراه ان حقيقة الدعاء ما هي إلا طلب ورجاء ، سواء أكان من نبي أم غير نبي ، وقد تستدعي حكمته تعالى الاستجابة فيستجيب ، أو الرفض فيرفض ، وليس معنى عدم الاستجابة ان الداعي لا وزن له عند الله كي يضر ذلك بمقام النبوة ، وعصمة الأنبياء على فرض عدم الاستجابة لدعائهم .. كلا ، فإن رفض السؤال بمجرده لا ينبئ عن غضب المسئول على السائل ، بل قد يدل على حبه له ، وحرصه على مصلحته ، فلقد طلب نوح (ع) من الله نجاة ولده من الغرق ، فأجابه المولى بقوله : (فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) ـ ٤٦ هود».