الكلام عن موسى وقومه وكتابه ، وقد أبعد من قال : انتقل الكلام بهذه الجملة من موسى وبني إسرائيل الى محمد (ص) وقريش .. وشك مريب أي قوي ، مثل عجب عجيب ، وقناطير مقنطرة ، والقصد من الآية بمجموعها ان الله سبحانه أخر الى يوم القيامة عذاب من كذّب بالتوراة من قوم موسى ، وبالقرآن من قوم محمد (ص) (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) أي ان كلا من المكذب والمصدق سيلاقي غدا جزاء عمله كافيا وافيا ان خيرا فخير ، وان شرا فشر.
الاستقامة :
(فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ). يختلف معنى الاستقامة باختلاف الذي تنسب اليه ، فمعنى قوله تعالى : (إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) أنه يهدي الى هذا الصراط ، ويأمر به ، وعلى أساسه يثيب ويعاقب ، وان جميع أفعاله تعالى على وفق الحكمة والمصلحة : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً) ـ ١١٦ المؤمنون» : (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) ـ ٢٧ ص».
وإذا وصفت بالاستقامة عينا من الأعيان ، وقلت : ان هذا الشيء مستقيم فمعناه أنه قد وضع في الموضع اللائق به ، أما الإنسان المستقيم فأحسن تحديد له قوله تعالى : (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ) ـ ١٨ الزمر». وأحسن القول عند الله ومن آمن به هو هذا القرآن : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً) ـ ٢٣ الزمر». وأحسن القول عند الله والناس أجمعين والجاحدين هو ما يستريح اليه الضمير العالمي ، لا ضمير اللصوص وسفاكي الدماء. وفي الحديث عن رسول الله (ص) انه قال «شيبتني سورة هود». وقيل : انه أراد هذه الآية من سورة هود ، لأن أمته أمرت بالاستقامة ، وهو غير واثق من استجابتها واستقامتها .. ونحن لا نستبعد هذا التفسير على أن يكون المراد من الأمة قادتها ، لأنهم أصل الداء ، ومصدر البلاء .. وفي ج ١ ص ٢٦ من هذا التفسير تحدثنا عن الاستقامة ، وان الإسلام بعقيدته وشريعته وأخلاقه يتلخص بكلمة واحدة ، وهي الاستقامة.