(ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي). ذا إشارة الى الاخبار بالغيب و (كما) حرف خطاب للسائلين عن تعبير الرؤيا ، والمعنى ان ما أخبركم به من الغيب ليس كهانة ولا سحرا أو عرافة ، وإنما هو وحي أوحاه الله إليّ كما أوحى الى الأنبياء من آبائي (إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ). أي برئت من قوم لا يؤمنون بالله واليوم الآخر .. وفي هذا تعريض ـ ولكن بلطف ورفق ـ بالسجناء وغيرهم من المشركين ، لتكون دعوته أوقع في نفوسهم ، وفي التاريخ ان المصريين كانوا يومذاك يعبدون آلهة ، منها الشمس ، ويسمونها (رع) ، ومنها عجلهم (ابيس).
(وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ). لقد كان هؤلاء مشهورين مكرمين عند الجميع وبالخصوص ابراهيم الخليل (ع) ، ولذلك أضاف يوسف نفسه اليهم نسبا ودينا ، قال الرازي :
«لما ادعى يوسف النبوة وتحدى بالمعجزة ، وهي علم الغيب قرن به كونه من أهل بيت النبوة ، وان أباه وجده وجد أبيه كانوا أنبياء ، فإن الإنسان متى ادعى حرفة آبائه لم يستبعد ذلك منه ، وأيضا ان درجة ابراهيم وإسحاق ويعقوب كانت معروفة عند الناس ، فإذا ظهر انه ولدهم عظموه ، وكان انقيادهم له أتمّ ، وتأثير كلامه في قلوبهم أكمل».
(ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ). أي ان اختصاصنا بالنبوة فضل من الله حيث رآنا أكفاء لرسالته ، وأيضا فضل على الناس لأنهم بنا اهتدوا إلى سواء السبيل (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) بل يشركون ويجحدون : وكلما زادوا غنى ازدادوا كفرا وطغيانا.
(يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (٣٩)