المعنى :
(وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ قالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً) ـ أي عنبا ـ (وَقالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ). دخل يوسف الطهر السجن ، وبقيت امرأة العزيز الرجس في قصرها طليقة تأمر وتنهى ، ولكن يوسف دخل السجن طيب النفس ، وهو الذي أحبه وآثره لأن فيه راحة الضمير ، والنجاة من المعصية ، والفوز بمرضاة الله ، أما امرأة العزيز فهي في سجن من العذاب الأليم ، عذاب الضمير والحرمان والفضيحة.
ودخل مع يوسف (ع) السجن فيمن دخل اثنان من حاشية الملك : ساقيه ، وخازن طعامه لتهمة ألصقت بهما ، قال الساقي : رأيت فيما يرى النائم اني أعصر خمرا ـ أي عنبا لأنه يؤول الى الخمر ـ وقال الخازن : أما أنا فرأيت على رأسي خبزا يخطفه سرب من الطير ، ويذهب به (نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ) خبرنا بتفسير ما رأينا (إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) في سيرتك مع أهل السجن.
(قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما). ذكر في تفسيره ستة اقوال ، ويتلخص أقربها الى ظاهر اللفظ بأن يوسف قال للسائلين : انا وأنتما محجوبان في هذا المكان لا يعلم أحدنا ما ذا يجري في خارجه ، ومع هذا فأنا اعلم أي طعام يرسل إليكما ، ما هو نوعه ، وما هي الغاية من إرساله قبل أن يرسل.
وتسأل : لقد سألاه عن تعبير ما رأيا فأجابهما بأنه يخبر عن الغيب فيما يأتيهما من طعام ، وهذا لا يمت الى السؤال بصلة؟.
أجل ، ليس هذا تعبيرا للرؤيا ، ولكنه تمهيد له ، فلقد أراد يوسف ان يغتنم هذه الفرصة ليثبت لأهل السجن انه نبي مرسل من عند الله ، واستدل على نبوته بالإخبار عن الغيب ، تماما كما استدل عيسى (ع) على صدقه بقوله : (وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ) ـ ٤٩ آل عمران». وبديهة ان الغرض الأول ليوسف (ع) ان يبث بين السجناء عقيدة التوحيد والاعتراف باليوم الآخر ، كما هو شأن الأنبياء ، ويظهر ذلك من أقواله التالية :