أي ان الآيتين نزلتا حين بكى النبي عند قبر أمه أرجح من القول انهما نزلتا حين وفاة عمه أبي طالب ، لأن أبا طالب مات في مكة عام الحزن ، أي قبل الهجرة بثلاث سنوات ، وسورة التوبة التي جاءت فيها الآيتان نزلت بالمدينة سنة تسع للهجرة أي بعد وفاة أبي طالب بحوالى ١٢ سنة.
القول الثالث :
ان الآيتين نزلتا في أبي طالب بدعوى ان النبي قال لعمه أبي طالب ، وهو يحتضر : أي عم قل لا إله إلا الله فامتنع ... فقال النبي : لأستغفرن الله لك ما لم أنه عنك.
وردّ هذا القول جماعة من العلماء أولا بأن الآيتين ـ كما أشرنا ـ نزلتا بعد وفاة أبي طالب. ثانيا : بأن أبا طالب مات بعد أن اسلم وأخلص في إسلامه (انظر الغدير للأميني ج ٧ ص ٣٦٩ وما بعدها طبعة سنة ١٩٦٧).
ولو صرفنا النظر عن أقوال المفسرين والرواة ، وعللنا عقيدة أبي طالب تعليلا يستمد مقوماته من طبيعة الحال ، لو فعلنا ذلك لجاءت النتيجة ان أبا طالب كان يؤمن بصدق محمد (ص) في جميع أقواله وأفعاله ... وهذا هو الإسلام بالذات.
نشأ النبي (ص) يتيم الأبوين ... مات أبوه ، وهو حمل ، وقيل : كان في المهد فكفله جده عبد المطلب ، وماتت أمه : وله من العمر ست سنوات ، وبقي في كنف جده ثماني سنوات ، ولما حضرته الوفاة أو كل الجد أمر حفيده الى عمه أبي طالب ، ولم يكن أبو طالب أكبر أولاد عبد المطلب ، ولا أكثرهم مالا ، وانما كان أعظم اخوته قدرا ، وأكرمهم خلقا ، وأنداهم يدا ، فقام أبو طالب برعايته أحسن قيام ، وأحبه حبا شديدا ، وآثره على نفسه وأولاده ، ونظم في مدحه القصائد الطوال والقصار ، وكان يتبرك به ، ويلجأ اليه في الملمات ، لما ظهر على يده من الكرامات. فعن ابن عساكر ان أهل مكة قحطوا ، فخرج أبو طالب ،