ومعه محمد ، وهو غلام ، فاستسقى بوجهه ، فأغدقت السماء واختصبت الأرض ، فقال أبو طالب :
وابيض يستسقى الغمام بوجهه |
|
ثمال اليتامى عصمة للأرامل |
قال إسماعيل حقي في «روح البيان» عند تفسير الآية ٥٤ من سورة يوسف :
«لقد آسى أبو طالب رسول الله (ص) وذب عنه ما دام حيا» ، فالأصح انه ممن أحياه الله للايمان كما سبق في المجلد الأول.
ما هو السر؟
وإذا كان أبو طالب يحب محمدا ، ويؤثره على نفسه ، ويستميت في نصرته ، ويثق بصدقه واستقامته ، وقد رأى ما رأى من كراماته قبل النبوة وبعدها ، إذا كان ذلك كله فلما ذا ـ يا ترى ـ لم يؤمن بنبوته؟ فإن صح الزعم بأن أبا طالب غير مسلم فينبغي أن يكون هناك سر منعه من الإسلام ... وما هو هذا السر؟ هل رأى أبو طالب من محمد ، وهو يعرف سره وحقيقته ، هل رأى منه ما يتنافى مع النبوة؟ حاشا خاتم النبيين وسيد المرسلين ، ومن ادعى هذا فما هو من الإسلام في شيء .. ثم كيف استطاع محمد (ص) أن يقنع رعاة الإبل بنبوته ، ومن لا يعرف عنه شيئا من قبل ، وعجز عن اقناع عمه أبي طالب الذي يعرف مصدره ومخبره؟ هل كان أبو طالب أقل ذكاء من أعراب البادية ، أو كان في نفسه هوى يمنعه من الإسلام ، كما منع أصحاب الأغراض والأهواء؟.
والهوى الذي يمنع أبا طالب من اعتناق الإسلام ـ على فرض وجوده ـ لا يخلو أن يكون واحدا من اثنين : إما الخوف على ماله وثروته ، والمفروض ان أبا طالب عاش فقيرا ، ومات فقيرا ، وإما الخوف أن تذهب الرئاسة من بيت هاشم الى غيره ، والمفروض العكس .. وإذا انتفى هذا وذاك انتفى المانع من اسلام أبي طالب ، وإذا عطفنا انتفاء المانع على وجود المقتضي لإسلامه ، وهو حبه لمحمد وعلمه بحقيقته ، كانت النتيجة ان أبا طالب من السابقين الى الإسلام لا من المسلمين فحسب.