قد يظن من النظرة الأولى ان سورة يوسف أشبه بقصة بطلتها امرأة تحكمت فيها أنوثة حيوانية عشقت فتى وسيما لم تر رجلا مثله بين الرجال لحسنه وجماله ، وان هذا الفتى عزف عنها متحصنا بتقوى الله والخوف من حسابه وعقابه ، تماما كقصة سلّامة المغنية مع عبد الرحمن القس (١).
وفي الناس من قال : كان الأولى ان لا تذكر هذه السورة في كتاب الله العزيز ، وقال بعض المؤمنين : ان لله حكمة غامضة في هذه السورة لا نعرفها ، وأحسن هؤلاء في تحفظهم كما أساء الميمونية من الخوارج ، حيث أنكروا سورة يوسف لأنها قصة غرام في زعمهم ، وخرجوا بذلك عن جميع المذاهب الاسلامية.
والحقيقة التي انتهينا اليها ، ونحن نفسر هذه السورة الكريمة ان من قرأها بامعان وتدبر ، وأدرك أسرارها وأهدافها يؤمن ايمانا قاطعا بأنها تقدم أوضح الأمثلة من الحس والتجربة على ان القيم الروحية كثيرا ما يكون الالتزام بها وسيلة للنجاح في هذه الحياة على رغم الأوضاع الفاسدة ، وان من قرأها قراءة سريعة يقول ما قاله الميمونية : انها قصة غرام ، أو ما قاله بعض المؤمنين : «لله حكمة فيها لا نعرفها». أجل ، لا يعرفها الا من تدبر كلمات الله وآياته .. ونعرض فيما يلي طرفا من الحقائق التي اشتملت عليها هذه السورة والتي تفرض نفسها وصدقها على كل من يتوخى الحقيقة ويبحث عنها :
١ ـ ان الصراع بين الحق والباطل قائم ودائم في هذه الحياة لا صلح بينهما ولا هوادة .. والنتيجة الطبيعية لذلك ان من يسلك طريق الباطل يقاومه المحقون ، ولكن بالعدل والصدق ، لا بالكذب والغش والخديعة ، لأنهم يرفضون أي سلاح لا يقره الحق والعدل .. ومن يسلك طريق الحق يحاربه المبطلون ، ولكن بالافتراء والدس وأنواع الكيد والمكر ، لأن من يصر على الباطل لا يملك الا التزييف
__________________
(١). اقرأها في «العقد الفريد» ج ٧.