حكمة وجد فورا ، وبكلمة ان علمه هو قوله للشيء كن فيكون.
(رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ). فاطر السموات والأرض أي خالقهما على غير مثال سابق لهما ، وذكر السموات بصيغة الجمع ، والأرض بصيغة المفرد لأن الإنسان يرى بعينيه سموات كثيرة ، ولا يرى الا أرضا واحدة. أنت وليّي أي تتولى جميع أموري في الدارين .. بعد أن حدث يوسف بنعم الله عليه توجه اليه تعالى شاكرا ما بسط له من الملك ، وما خصه به من النبوة ، متوكلا عليه في جميع شئونه ، ومتوسلا اليه ان يميته على طاعته ومرضاته ، وان يلحقه بصالح من مضى من آبائه ، ويجعله من صالح من بقي من أبنائهم.
(ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ). بعد أن ذكر سبحانه قصة يوسف توجه الى رسوله الأكرم محمد (ص) بهذه الآية ، والغرض منها إلقاء الحجة على من أنكر نبوته ، وملخصها ان ما قصصناه من أمر يوسف بهذا التفصيل لم يشاهده محمد بنفسه ، ولا قرأه في كتاب ، ولا سمعه من انسان ، وانما هو وحي من الله دال على صدقه ونبوته (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ). ضميرا اجمعوا وهم يعود الى اخوة يوسف ، والخطاب موجه الى محمد (ص) وكل الناس يعرفون ان محمدا لم يكن حاضرا حين أجمعوا على إلقاء يوسف في غيابة الجب : وحين مكروا بأبيه وقالوا أكله الذئب .. وأيضا كل الناس يعرفون ان محمدا ما قرأ كتابا ولا تتلمذ على أستاذ .. فلم يبق ـ اذن ـ من طريق الى معرفته بهذا الغيب الا وحي السماء .. ونظير هذه الآية قوله تعالى : (تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) ـ ٤٩ هود».