التفاسير. وقيل : ان ضمير له عائد الى الله ، وان السجود كان شكرا له تعالى على هذه النعمة الكبرى .. وهذا القول يخالف ظاهر السياق ، ولا يتفق مع قول يوسف في الآية ٤ : (رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) ، أي له لا لغيره.
(وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا). يشير إلى قوله في أول السورة : «يا أبت اني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين». وسبق الشرح والتفصيل. وفي تفسير الرازي : «اختلفوا في مقدار المدة بين وقت اللقاء وبين الرؤيا ، فقيل : ٨٠ سنة. وقبل ٧٠. وقيل : ٤٠ وهو قول الأكثر .. وكان عمره ١٢٠ سنة». ونحن لا نعلم يقينا كم كان عمره حين ألقي في الجب ، ولا المدة التي أقامها في بيت الذي اشتراه ، ولا أمد سجنه وحكمه ، لأننا لم نهتد الى أصل يصح الاعتماد عليه ، وأقوال المفسرين والرواة متضاربة .. ولكن الأكثر على انه عاش ١٢٠ سنة.
(وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ). ان الله سبحانه يبتلي الإنسان بالرخاء كما يبتليه بالشدة : (قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ) ـ ٤٠ النمل». وقال الإمام علي (ع) : «لم تعظم نعمة الله على أحد إلا ازداد حق الله عليه عظما». وقد ابتلي يوسف بالضراء فصبر وبالسراء فشكر ، وها هو يحدث بنعمة الله عليه ، ويعدد إحسانه اليه .. اخرجني من السجن ، وسما بي الى الحكم ، وجاء بأهلي من البادية ، حيث كانوا يرعون الإبل والأغنام ، حتى هذه أهلكها الجدب والقحط ، وأصبحوا على الأرض البيضاء لا يملكون شيئا ، ويقولون للعزيز : تصدق علينا ان الله يحب المتصدقين ، فأغناهم الله بيوسف وكفاهم شر الفقر والعوز.
ولم يذكر إخراجه من الجب مراعاة لشعور اخوته ، وأيضا نسب ما كان منهم الى الشيطان وقال : (مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي) ولم ينسبه اليهم لنفس السبب (إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ) يلطف بالطيبين ، ويبلغ بهم إلى ما يشاؤه لهم من العز والكرامة (إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ). والفرق بين حكمة الله وعلمه ان جميع أفعاله وأحكامه تأتي على وفق الحكمة : «ربنا ما خلقت هذا باطلا». اما علمه فلا ينفك عن المعلوم ، فمتى علم بأن في هذا الشيء