من قال له : «تالله انك لفي ضلالك القديم».
وإذا عرفنا مبلغ الحزن في نفس يعقوب من ألم الفراق عرفنا مبلغ فرحته وسعادته بلقاء يوسف ، لأن الفرحة بالشفاء من الاسقام تأتي على قدر ما تركته هذه من الأوجاع والآلام ، أو تزيد أضعافا.
وقال جماعة من المفسرين : المراد بأبويه أبوه وخالته ، لأن امه ماتت من قبل .. وابعد البعض في قوله : ان امه ماتت ، ثم نشرت من قبرها لترى عظمة ولدها وتسجد له .. ولا طائل من هذا التحقيق وأمثاله الا تكثير الكلام.
وتسأل : ان صدر الآية لا يتفق مع عجزها ، لأن الصدر يقول : لما دخلوا على يوسف ضم أبويه اليه ، ومعلوم ان يوسف كان في مصر ، والعجز يقول : بعد ان دخلوا عليه ، وهو في مصر قال لهم : ادخلوا مصر ـ كما هو الظاهر من سياق الآية ـ ومعنى هذا انهم بعد ان دخلوا مصر قال لهم ادخلوا مصر؟.
وقيل في الجواب : ان يوسف أقام لأهله سرادقات بالقرب من الحدود ، وفيها دخلوا عليه ، وضم أبويه اليه ، ولما استأنفوا السير من السرادقات متجهين الى مصر قال لهم : ادخلوا مصر .. وهذا الجواب يحمّل لفظ الآية أكثر مما يتحمل ، وغير بعيد أن يكون مراده من ادخلوا مصر أقيموا فيها آمنين ، كما حدث ذلك بالفعل ، حيث أقطعهم الملك أرضا خصبة في مصر ، وظلت سلالة يعقوب فيها أمدا طويلا .. فقد جاء في مجمع البيان : «وانما قال لهم : آمنين. لأنهم كانوا فيما مضى يخافون ملوك مصر ، ولا يدخلونها إلا بجوازهم ـ أي بجواز السفر كما هو المتبع في هذا العصر ـ قال وهب : ان آل يعقوب دخلوا مصر وهم ٧٣ إنسانا ، وخرجوا مع موسى الذي هو من نسل يعقوب ، وهم ستمائة ألف وخمسمائة وبضع وسبعون رجلا» .. وأيضا في مجمع البيان ان بين يوسف وموسى ٤٠٠ سنة.
(وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ) أجلسهما على السرير الذي كان يجلس عليه ، وهو يدير شئون المملكة تعظيما لهما (وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً). ضمير خروا عائد الى ابوي يوسف واخوته ، وضمير له الى يوسف ، والمراد بالسجود هنا الانحناء تعظيما وتكريما ، وكان الانحناء تحية الناس للمعظم في ذاك العصر ، كما في بعض