لحكمة اقتضت ذلك ، وهي في نفس الوقت لا تخالف أصلا من أصول الشريعة ، كتحليل الحرام ، أو تحريم الحلال .. هذا ، الى ان احتيال أولاد يعقوب على أبيهم لانتزاع ولده يوسف منه ، والغدر به ، وإلقاءه في الجب بقصد القتل في أبشع صورة ، ان هذا سرقة وزيادة.
سؤال ثان : كيف استباح يوسف أن يحول بين أخيه وأبيه ، ويزيده كربا على كربه؟.
الجواب : ان كل ما فعله يوسف كان لمصلحة أخيه وأبيه ، وهو على يقين بأن أباه يقره ، بل ويشكره عليه متى اطلع على الحقيقة .. وقد حدث ذلك بالفعل. وبديهة ان الأمور تقاس بعواقبها لا بأسلوبها ، وفي سائر الأحوال فإن الأنبياء لا يتهمون في جانب الحق.
(قالُوا فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ). ضمير قالوا يعود الى غلمان يوسف ، وضمير جزاؤه الى السارق ، والخطاب في كنتم لأولاد يعقوب ، والغرض من هذا السؤال انتزاع الاعتراف منهم بأن السارق يؤخذ عبدا أو أسيرا جزاء على فعله .. ليكون هذا الاعتراف حجة عليهم إذا أخذ يوسف أخاه ، وضمه اليه.
(قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ). فهو جزاؤه زيادة في الإيضاح ، تماما كما تقول : جزاء القاتل القتل فهو جزاؤه .. أجاب اخوة يوسف : من وجدتم الصاع في وعائه فخذوه أسيرا او عبدا ، وهذا هو شرعنا في عقوبة السارقين ، ونحن على يقين من براءتنا ، وطهارة اعراقنا.
(فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ). بدأ المفتش بأوعيتهم تغطية للحيلة ، حتى إذا انتهى الى وعاء بنيامين استخرج المكيال منه ، وأشهره في وجوههم. وصعق أبناء يعقوب لهذه المفاجأة العنيفة .. ولكن أين هذه مما قاساه يوسف في ظلمات الجب وحيدا فريدا؟.
(كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ). اي أوحينا اليه بهذا التدبير ليقول اخوته من تلقائهم : ان للعزيز ان يأخذ أخاهم أسيرا او عبدا ، وسمى هذا كيدا لأن ظاهره غير واقعه ، وجاز شرعا لأنه لا يحلل حراما ، ولا يحرم حلالا. (ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ) المراد بالملك ملك مصر ، وبدينه شرعه وقضاؤه ، والمعنى لولا هذا