عليه ، ودفع له الجزية كنصارى نجران ، ومنهم من همّ بغزو المدينة ، فقطع النبي (ص) الطريق عليهم وغزاهم في أرض الشام.
وكان المشركون يقترحون على النبي (ص) ألوانا من جهلهم وعبثهم ، من ذلك ما أشارت اليه الآية ١١٨ من سورة البقرة ، حيث طلبوا من النبي أن يكلمهم الله مشافهة ، أما الآية التي نفسرها فهي تحكي اقتراحهم على رسول الله (ص) أن يأتيهم بقرآن غير هذا في جملته ، أو يحرفه بالتقليم والتطعيم ، لأن هذا القرآن قد آتاهم بدين جديد : فهو يدعو الى التوحيد والإيمان بالبعث والجزاء ، ويقر مبدأ العدالة والمساواة ، ويلغي الطبقات والامتيازات ، ويحرم الربا والظلم ، وهم يدينون بتعدد الآلهة ، وينكرون البعث ، ويبيحون ما يشتهون ، فطلبوا من محمد (ص) أن يأتيهم بقرآن يقرهم على دينهم وتقاليدهم ، أو يحذف من القرآن الذي أتاهم به ما لا يرتضونه ـ على الأقل ـ ..
وأي فرق بين هذا الطلب من مشركي الجاهلية ، وبين الكثير من شباب حضارة القرن العشرين الذين يقولون : ولما ذا الدين ، والحلال والحرام؟ .. أجل ، ان في حضارة المنيجوب والميكروجوب غنى عن كل مبدأ ودين.
(قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ). الرسول ناقل عن الله ، لا مشرع ، تماما كراوي الحديث عن الرسول. وقد جاء في الحديث عنه انه قال : «من كذب عليّ فليتبوأ مقعده من النار» فكيف يكذب هو على الله؟. حاشا لصاحب العصمة عن الخطأ والزلل .. وفي الآية تعريض بمن يفتي ويحكم بغير دليل من الشرع ، وفيها أيضا الدليل القاطع على ان النبي ما حكم قط باجتهاده ، وان جميع أحكامه كانت بوحي من الله ، وان من أجاز الاجتهاد عليه فقد قاسه بغيره من الفقهاء .. وبالمناسبة نشير الى ان الشيعة منعوا الاجتهاد على النبي (ص). واختلف السنة فيما بينهم ، فمنهم من وافق الشيعة ، وكثير منهم أجاز الاجتهاد على النبي.
(قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ). وضمير تلوته وبه يعودان إلى القرآن ، والمعنى لو شاء الله إلا يرسلني إليكم لتعلموا وتعملوا بالقرآن ما دعوتكم اليه ، ولكني فعلت ما فعلت تنفيذا لمشيئة الله (فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ