الفرق بينهما .. وسياق الآية يدل على ان المراد بهما هنا الهداية الى طريق الخير والنجاة ، تماما كالفضل والرحمة في قوله تعالى : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ) ـ ١١٢ النساء». فقوله : (أَنْ يُضِلُّوكَ) يدل على ان المراد بفضله ورحمته تعالى الهداية أو التثبيت عليها ، لأنها ضد الضلال ، ومثلها الآية ٦٤ من سورة البقرة : (فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ).
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً). هذه الآية قريبة المعنى من الآية ١٠٣ من سورة المائدة التي مر تفسيرها في ج ٣ ص ١٣٧ ، ومحصل المعنى ان الله أمر نبيه أن يقول لمشركي مكة الذين جعلوا في الأنعام بحيرة وسائبة ، وما اليهما ، أمره أن يقول لهم : اخبروني أي شيء وهب الله لكم من الرزق الذي جعل فيه حلالا وحراما ، حتى قسمتم هذا التقسيم ، والاستفهام هنا للإنكار ، أي انه تعالى ما جعل شيئا من هذا ، بل هو من عندياتكم فأنتم وحدكم حرّمتم ما حرمتم (قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ) ، ولا يمكنهم الادعاء بأن الله أذن لهم فتعين انهم مفترون.
(وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ). أي هل يتصور الذين يحللون ويحرمون من تلقائهم ان الله يتركهم غدا بلا عقاب على كذبهم وافترائهم؟ اذن لا فرق عنده بين من اتقى ومن عصى .. كيف؟ وهو القائل : (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) ـ ٢٨ ص». وهذا التوبيخ والتقريع من أبلغ أساليب التهديد والوعيد.
(إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) بما أنعم عليهم من العقل والشرع الذي أمرهم بالخير ، ونهاهم عن الشر (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ) اي لا يعملون بوحي العقل ، ولا بحكم الشرع.