كل دليل على الحق فهو ينذر من يخالفه بالعقوبة ، وكل رسول من عند الله تعالى فهو يحمل معه الدليل على رسالته ، ولكن الأدلة والرسل لا ينتفع بها إلا من كان الحق ضالته يأخذه انّى وجده ، ولو كان فيه ذهاب نفسه ، أما من لا يرى في الدين والحق والانسانية إلا مصلحته ومنافعه ، أما هذا فهو عدو الأدلة والبراهين ، والأنبياء والمصلحين ، فكيف ينتفع بها ويؤمن بمبادئها؟.
(فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ). يقال : ايام فلان ويراد ايام دولته او ايام محنته ، والمراد بأيام الذين خلوا ايام قوم نوح وعاد وثمود ، وما حل بهم من الهلاك والعذاب ، وضمير ينتظرون يعود الى الذين كذبوا محمدا (ص) بدليل قوله تعالى : (قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) فانه تهديد لمن كذب محمدا بسوء العاقبة.
(ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا). هذه الجملة عطف على جمل محذوفة والتقدير انه قد جرت سنة الله في خلقه ان يرسل الى الناس رسلا منهم مبشرين ومنذرين ، فيصدقهم البعض ، ويكذبهم آخرون ، فيهلك المكذبين ، ثم ينجي الرسل والمؤمنين .. قال صاحب المنار : «هذا من الإيجاز المعجز الذي انفرد به القرآن» .. ووجه الاعجاز ان الله سبحانه ذكر جملة واحدة تدل دلالة واضحة على عدد من الجمل المحذوفة.
(كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ) بعد ان قال سبحانه : انه ينجي المؤمنين قال : ان نجاة المؤمن من العذاب حق له على الله يطالبه به ، تماما كأصحاب الحقوق ، وان على الله تعالى ان يؤديه له كاملا غير منقوص ، وهذا رد صريح على السنة الذين قالوا : ان الله سبحانه له ان يعاقب المطيع ، ويثيب العاصي (المواقف ج ٨ المقصد الخامس والسادس من المرصد الثاني في المعاد).
(قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ أَعْبُدُ اللهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ). لقد أدى النبي (ص) امانة الله الى خلقه ، وبلّغهم رسالات ربهم ، فاستجاب له من استجاب وأبى من أبى ، فأمره الله تعالى أن يقول للذين أصروا على الشرك : ان كنتم في شك من ديني فأنا لا أعبد أصناما لا تعقل كما تفعلون ، ولكن أعبد إلها قادرا عادلا ، وحكيما عالما ، وهو الذي يقبض أرواحكم ، فأي المعبودين جدير بالشك؟.