(فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً). امتنعوا عن الطعام لأنهم ليسوا بشرا ، وخاف ابراهيم (ع) منهم لأنه عاملهم على انهم من البشر ، وإذا بهم ليسوا كما ظن ، وهو لا يعلم ما ذا يريدون .. وكل انسان معصوما كان أو غير معصوم إذا فاجأه أمر لا يعرف عواقبه يوجس منه خيفة ، ولما رأى الملائكة ما به (قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ) ولا نريد بك ولا بقومك سوءا. وفي سورة الحجر الآية ٥٣ صارحهم بهذا الخوف حيث (قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ).
(وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ). وقيامها كناية عن سماعها لما دار بين بعلها والملائكة ، أما ضحكها فلكل حديث عندهن بشاشة ، والله أعلم بالسبب الذي أضحكها ، وقد ذهب المفسرون فيه مذاهب (فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ) أي تلد هي اسحق ، ويولد لاسحق يعقوب ، وفيه دلالة على ان ولد الولد ولد.
(قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ). تعجبت حيث لم تجر العادة ان تلد من هي في سنها ، ويلد لمن هو في سن زوجها ، وعن سفر التكوين ان ابراهيم (ع) كان عمره مائة سنة آنذاك ، وان سارة كانت في التسعين. ونحن لا نعترف بهذا السفر ، وكل ما نعرفه انهما كانا متقدمين في السن ، أما التحديد فعلمه عند ربي.
(قالُوا) ـ اي الملائكة ـ (أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ) كيف؟. وانما أمره إذا أراد شيئا ان يقول له كن فيكون (رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ) وقد خصكم بالكثير من نعمه ، وهذه واحدة منها ، وما هي بأعجب من جعل النار بردا وسلاما على ابراهيم (إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ). هذه الجملة توضيح وتأكيد لما قبلها ، والحميد صاحب الأفعال المحمودة ، والمجيد صاحب الفضل والجود ، اذن ، فلا عجب إذا أعطى الله من سأله ومن لم يسأله ، من حيث يحتسب أو لا يحتسب.