أبانا يصلي عليك ، ويدعو لك ، ويشكر صنيعك معنا ، وان يوسف بكى حين سمع هذه الرسالة .. وليس هذا ببعيد عن الموضوع وطبيعته.
(وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ). عند تفسير الآية ٤٠ من هذه السورة ، فقرة «لا حكم الا لله» بيّنا ان حكمه تعالى يطلق على حلاله وحرامه المعبّر عن كل منهما بالحكم الشرعي ، وأيضا يطلق على قضائه وقدره الذي لا مفر منه للإنسان ، وسياق الآية يدل ان هذا هو المراد بحكم الله هنا ، وعليه يكون المعنى اني حريص عليكم ، ناصح لكم ، ولكن حرصي ونصحي لا يغني عن قضاء الله وقدره .. وغرضه من ذلك أن يبين لأبنائه ان على الإنسان ان لا يعتمد على العمل وحده ، ولا على الايمان وحده ، بل عليه أن يعمل ويجتهد متوكلا على الله ، ومعتقدا بأنه هو الذي يمده ويعينه ، ولذا قال : (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) أي أنا مؤمن بالله متوكل عليه ، لا على غيره ، وعلى كل من آمن بالله أن يكون كذلك.
(وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ) من الأبواب المتفرقة (ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ). اسم كان ضمير مستتر يعود الى الدخول المستفاد من قوله : (وَلَمَّا دَخَلُوا) والمعنى ان أولاد يعقوب دخلوا المدينة من أبواب متفرقة امتثالا لأمر والدهم ، ولكن دخولهم لم يجد نفعا ، ولم يرد بلاء كما قال يعقوب : (وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) ، حيث اتهموا بالسرقة ، وأخذ منهم بنيامين ، ورجعوا الى أبيهم منكسرين كما يأتي. (إِلَّا حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها). اختلف المفسرون في تحديد هذه الحاجة التي قضاها الله ليعقوب ، فمن قائل : ان لا يصاب أولاده بالعين عند دخولهم الى مصر. وقائل : ان لا ينالهم العزيز بسوء الخ .. والذي نراه ـ استنادا الى طبيعة الحال ، والى الآيات الدالة على حرصه ولهفته على يوسف وأخيه ـ ان الحاجة الأولى والأخيرة ليعقوب من هذه الحياة كانت سلامة يوسف وأخيه ، واجتماعه بهما قرير العين ، وقد أتم الله له ما أراد على أحسن حال.
(وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ). ضمير انه وعلمناه يعودان الى يعقوب. وهو نبي ، وكل نبي يؤدبه الله بآدابه ، ويعلمه من لدنه علما ، ومن تأدب يعقوب