في حقهم ، وراحوا يبحثون عن الشيء الذي سرقه يوسف ، فمن قائل : انه بيضة سرقها وأعطاها لجائع ، وقائل : بل دجاجة ، وقال ثالث : سرق صنما لجده أبي أمه وكسره ، وذهب رابع الى ان عمته بنت اسحق كانت تحضنه صغيرا ، ولما شب أراد أبوه ان ينتزعه منها ، فاتهمته بسرقة منطقة أبيها اسحق ـ وهي ما يشد به الوسط ـ ليبقى عندها عبدا ، لأن عقوبة السارق كانت الاستعباد ، وعلى هذا اكثر المفسرين ، وغريب ان لا يتنبه واحد منهم الى ان حكم الأطفال في جميع الشرائع غير حكم الكبار .. وأغرب منه قول بعض الصوفيين : ان أولاد يعقوب أرادوا بتهمة السرقة ان يوسف سرق منهم قلب أبيهم.
(فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ). تجاهل مقالتهم حلما وكرما ، كما قال الشاعر :
ولقد أمر على اللئيم يسبني |
|
فأعف ثم أقول لا يعنيني |
(قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً). قال هذا في سره بدليل قوله تعالى : (وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ).(وَاللهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ) من نسبة السرقة إليّ والى أخي ، وانها محض افتراء.
(قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ). بعد ان أصبحوا تجاه الأمر الواقع ، وان العدل عندهم يقضي باسترقاق أخيهم بنيامين التجأوا الى التماس الرحمة بالعفو والصفح ، او أخذ الفداء والبدل ، وان يختار العزيز واحدا منهم ، وهم عشرة بين يديه ، طلبوا هذا وألحوا في الطلب ، وتشفعوا اليه ببره وصلاحه ، وبشيخوخة أبيهم ، وعظيم منزلته وقدرته ، وبضعفه وشغفه بولده بنيامين ، فعلوا هذا وأكثر منه لا حبا بأخيهم ، بل تخلصا من أبيهم ومسؤولية العهد الذي أخذه عليهم.
(قالَ مَعاذَ اللهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ). رفض يوسف طلبهم ورجاءهم ، وأصر على أخذ أخيه لأمر أراد الله ان يتمه بعد الامتحان والبلوى .. وتجدر الاشارة الى أن يوسف عبّر أدق تعبير وأحكمه عن براءة أخيه من السرقة في قوله : «من وجدنا متاعنا عنده» حيث فهم منه اخوة يوسف من سرق متاعنا ، والمقصود منه من استخرجنا متاعنا من وعائه ، والفرق بعيد بينهما.