غزوة تبوك :
هذه الآيات إلى القريب من آخر السورة نزلت في غزوة تبوك ، وما لابسها من الأحداث ، وتتلخص بأن الروم كانوا يملكون الشام ، وهي على حدود الجزيرة وقد سمعوا بقوة الإسلام ونموه ، فخاف هرقل ملك الروم على دولته من المسلمين ، وقال : لئن تركتهم حتى يقبلوا فلن تقوم لدولتي في الشرق قائمة ، وعزم أن يكون هو البادئ.
ورأى النبي (ص) أن لا ينتظر حتى يأتي هرقل بجنوده إلى المدينة ، فاستنفر الناس إلى قتال الروم ، وكان الحرّ في الجزيرة آنذاك على أشده ، فوجد المنافقون الفرصة للتخذيل ، وخوّفوا المسلمين من بعد السفر ، وقسوة القيظ ، وكثرة العدو ، ولاقت دعوتهم هوى في نفوس ضعاف الايمان ، فاعتذروا وتعللوا .. ولكن النبي (ص) أعلن الجهاد والنفير العام ، ولم يأذن بالتخلف إلا للمرضى والذين لا يجدون ما ينفقون.
وعلى الرغم من تخذيل المنافقين وتثبيطهم فقد تطوع لقتال الروم حوالى ٣٠ ألفا .. وقبل أن يخرج النبي (ص) بجيشه إلى الروم خلّف على أهله وعياله عليّ ابن أبي طالب ، قال مسلم في صحيحه ج ٢ ص ١٠٨ طبعة ١٣٤٨ ه : «فقال له علي : يا رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان؟. فقال رسول الله (ص) : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هرون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي؟».
ومضى جيش المسلمين ، وانطلقوا جميعا يخوضون الصحارى في لهيب يشوي الوجوه والأبدان .. وعلى الطريق لحق بهم الصحابي الجليل أبو ذر ماشيا ، إذ لم يجد ما يركبه. بينما انسحب رأس النفاق ابن أبيّ بجزء من الجيش ، وعادوا إلى المدينة ، فاستقبلتهم النساء بالعويل ، وحثون في وجوههم التراب.
وبعد سبعة أيام من السير المضني بلغ جيش الإسلام حدود الدولة الرومانية ، وتقدم أمير المنطقة يعرض على النبي (ص) الصلح على أن يدفع الجزية ، فقبل النبي ، وتقدم بجيشه ، حتى بلغ مدينة تبوك ، وتقع في منتصف الطريق بين المدينة المنورة ودمشق ، وكان ذلك في رجب سنة تسع للهجرة ، وصادف أن حاكم تبوك كان خارجا للصيد ، فأسره المسلمون ، واستسلمت المدينة ، وانتقل