على هذه الطريقة الكثير من الخطباء وأصحاب الأقلام ، فإنهم يذكرون اساءة من أساء ، ثم يعقبون عليها واثقين بأن الشر لا يجزى به الا فاعله.
الأمر الثاني : ان الله سبحانه يتدخل بإرادته لنصرة المحقين على شريطة أن لا يرتدوا عن الحق ، ولا يشكّوا فيه ، ولا يساوموا عليه ، ولا يرضوا بأنصاف الحلول ، ويلتمسوا القليل من حقهم بالكثير من باطل أعداء الله وأعدائهم ، وقد دلت التجارب على ان أنصاف الحلول لا يستفيد منها الا من اعتدى وأفسد في الأرض ، وانها أبدا ودائما تأتي في صالح المبطلين ، لأن أي تنازل عن الحق فهو ربح للغاصب المبطل ، وخسران للحق وأهله .. وهنا يكمن السر في صلابة الإمام علي بن أبي طالب في الحق ، ورفضه انصاف الحلول بشتى صورها وأشكالها.
(وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ). والصديد القيح المختلط بالدم ، وهو هنا كناية عما يصعب شربه وتجرعه لنتنه وقذارته ، أو مرارته وحماوته ، أو لذلك كله ، أما ضمير استفتحوا فقيل : انه يعود الى الرسل. وقيل : الى المشركين. وقيل : اليهما معا. والمعنى يصح على كل الوجوه ، لأن العاقبة كانت كما يجب أن تكون ، نصر المؤمنين ، وخزي الكافرين .. هذا ، الى ان الأنبياء استنصروا الله سبحانه : (قالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ) ـ ٣٠ العنكبوت». وقال المشركون يوم بدر : اللهم انصر أعلى الجندين. فأجابهم الله بقوله : (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ) ـ ١٩ الأنفال».
(يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ) لنتنه وقذارته ، وحرارته ومرارته (وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ) وهنا مضاف محذوف أي تأتيه أسباب الموت تحيط به من الجهات الست : شماله ويمينه وخلفه وأمامه وفوقه وتحته (وَما هُوَ بِمَيِّتٍ) ولو مات استراح ، وانقطع عنه العذاب ، وقد أراد الله له الدوام والخلود فيه : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها) ـ ٣٦ فاطر».
(وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ). ومما قيل في تفسير الغليظ هنا : ان العذاب