وأنت خبير بأنه لا يخفى على من لاحظ الأخبار بعين التأمل والتدبر والاعتبار ان المفهوم منها على وجه لا يعتريه الشك ولا الإنكار ان القواطع الثلاثة التي أحدها بلد الملك أو المنزل المشترط فيه الاستيطان انما هي في ما إذا خرج الإنسان من بلده مسافرا سفرا يجب فيه التقصير فإنه يستصحب التقصير في سفره الى أن ينقطع إما بإقامة عشرة أيام في بعض المواضع أو مضى ثلاثين يوما مترددا أو يمر في سفره ذلك على ملك له من ضياع أو منزل على الوجه المتقدم في المسألة فإنه ينقطع سفره بأي هذه حصل ويرجع الى التمام ، ثم بعد المفارقة يرجع الى التقصير في سفره كما كان أو لا حتى يرجع الى بلده التي خرج منها فيجب عليه الإتمام بالوصول إليها ، إلا ان الاخبار هنا قد اختلفت في انه هل يتم إذا رجع الى بلده بعد تجاوزه محل الترخص داخلا أو لا يتم حتى يدخل منزله وأهله؟ وحينئذ فتلك القواطع الثلاثة إنما هي خارج البلد المذكور ، وانقطاع السفر بالرجوع الى بلده التي خرج منها ليس له مدخل في تلك القواطع بوجه ، وقد تقدمت لك الأخبار المتعلقة بهذا القاطع الثالث الذي هو الملك أو المنزل صريحة في ما قلناه وواضحة في ما ادعيناه فإنها تضمنت انه يمر به في سفره ، ومنه يعلم ان ذلك انما هو في مدة السفر وضمنه كما ذكرناه ، وعباراتها في هذا المعنى صريح وظاهر مثل قولهم «سافر من أرض إلى أرض وإنما ينزل قراه وضيعته» وقولهم «يتخذ المنزل فيمر به» ونحو ذلك من ما تقدم ، وكله صريح أو ظاهر في كون تلك الاملاك والضياع والمنازل إنما هي في الطريق والسفر ، وأما بلد الإقامة فلا مدخل لها في هذه الأخبار بوجه وإنما لها أخبار على حدة ، ومحل الخلاف الذي وقع بينهم من الاكتفاء بالملك مطلقا أو لا بد من المنزل واعتبار الاستيطان مطلقا أو مقيدا ونحو ذلك كله إنما نشأ من هذه الأخبار التي ذكرناها المتضمنة لكون ذلك في السفر.
واما أخبار بلد الاستيطان الدالة على انقطاع السفر بالوصول إليها فهي هذه التي نتلوها عليك : فمنها موثقة إسحاق بن عمار عن ابى عبد الله عليهالسلام (١) قال :
__________________
(١) الوسائل الباب ٧ من صلاة المسافر ، والرواية عن أبي إبراهيم «ع».