من ترخص كل تارك للواجب بسفره لاشتراكهما في العلة الموجبة لعدم الترخص ، إذ الغاية مباحة فإنه المفروض وإنما عرض العصيان بسبب ترك الواجب ، فلا فرق حينئذ بين استلزام سفر التجارة ترك صلاة الجمعة ونحوها وبين استلزامه ترك غيرها كتعلم العلم الواجب عينا أو كفاية بل الأمر في هذا الوجوب أقوى ، وهذا يقتضي عدم الترخص الا لا وحدي الناس ، لكن الموجود من النصوص في ذلك لا يدل على إدخال هذا القسم ولا على مطلق العاصي وانما دل على السفر الذي غايته المعصية
وقال سبطه السيد السند بعد نقله : ويشكل بأن رواية عمار بن مروان التي هي الأصل في هذا الباب تتناول مطلق العاصي بسفره ، وكذا التعليل المستفاد من رواية عبيد بن زرارة ، والإجماع المنقول من جماعة. لكن لا يخفى ان تارك الواجب كالتعلم ونحوه انما يكون عاصيا بنفس الترك لا بالسفر إلا إذا كان مضادا للواجب وقلنا باقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضده الخاص ، والظاهر عدم الاقتضاء كما هو اختياره (قدسسره) مع ان التضاد بين التعلم والسفر غير متحقق في أكثر الأوقات ، فما ذكره (قدسسره) حينئذ من ان إدخال هذا القسم يقتضي عدم الترخص إلا لا وحدي الناس غير جيد. انتهى.
أقول : التحقيق في هذا المقام ان يقال : لا يخفى ان المفهوم من الأخبار المتقدمة ـ وهو صريح روايتي أبي سعيد الخراساني وعمران بن محمد القمي ـ ان المدار في حرمة السفر وإباحته إنما هو على القصد والنية ، ويعضده الأخبار المستفيضة الدالة على ان الأعمال بالنيات (١). لا محض استلزام السفر لأمر محرم كترك واجب مثلا مطلقا وان لم يخطر بباله فضلا عن قصده. ومنه يظهر ان عدهم سفر تارك الجمعة من قبيل السفر المحرم ليس في محله بناء على ما ذكروه في تلك المسألة من حيث انه مستلزم لتفويت الواجب ، فإنه إنما يتم بناء على ثبوت تلك المقدمة الأصولية من ان الأمر بالشيء يستلزم النهى عن ضده الخاص. نعم يأتي بناء على ما قدمناه من النصوص
__________________
(١) الوسائل الباب ٥ من مقدمة العبادات.