الثاني ـ قال في المنتهى ايضا : لا يلزمه الإحرام حتى يعلم انه قد حاذاه أو يغلب على ظنه ذلك ، لان الأصل عدم وجوبه ، فلا يجب بالشك.
أقول : لا يخفى ان ظاهر هذا الكلام لا يلائم ما ذهبوا اليه من وجوب الإحرام بظن المحاذاة ، لأن أصالة عدم الوجوب كما تنفي الوجوب مع الشك تنفيه مع الظن ايضا.
الثالث ـ قال في المدارك : لو أحرم كذلك بالظن ثم تبينت الموافقة أو استمر الاشتباه أجزأ ، ولو تبين تقدمه قبل تجاوز محل المحاذاة اعاده ، ولو كان بعد التجاوز أو تبين تأخره عن محاذاة الميقات ففي الإعادة وجهان ، من المخالفة ، ومن تعبده بظنه المقتضي للإجزاء. انتهى.
أقول : وهو جيد لو ثبت أصل دليل المسألة ، إلا انه لا يلائم ما اختاره سابقا من الإحرام من ادنى الحل ، فان هذا انما يتفرع على المحاذاة كما لا يخفى. ثم لا يخفى ان ما علل به الإعادة في الصورة الأخيرة ـ من المخالفة ـ الظاهر ضعفه ، لما ذكر من انه متعبد بظنه. والمخالفة واقعا غير معتبرة ، إذ التكليف انما هو بما يظهر في نظر المكلف فلا تضر المخالفة الواقعية. إلا ان أصل المسألة ـ كما عرفت آنفا ـ خال من الدليل.
الرابع ـ المشهور بين الأصحاب ان من حج من البحر يلزمه الإحرام إذا غلب على ظنه محاذاة أقرب المواقيت إلى مكة ، وقال ابن إدريس : وميقات أهل مصر ومن صعد البحر جدة. ورده جملة من تأخر عنه بعدم الوقوف له على دليل. نعم ان كانت محاذية لأقرب المواقيت صح الإحرام منها لذلك لا لخصوصيتها. واما أهل مصر ومن سلك طريقهم فميقاتهم الجحفة كما يشير اليه بعض الاخبار السابقة (١) فخلافه غير ملتفت اليه.
__________________
(١) ص ٤٤٤.