الفصل الثّالث
فى الخروج من النسيب إلى المدح وغيره
بدء الشعر |
كانت العرب فى أكثر شعرها تبتدئ بذكر الديار والبكاء عليها ، والوجد بفراق ساكنيها ، ثم إذا أرادت الخروج إلى معنى آخر قالت : فدع ذا وسلّ الهم عنك بكذا ، كما قال (١) :
فدع ذا وسلّ الهم عنك بجسرة |
|
ذمول إذا صام النهار وهجّرا (٢) |
وكما قال النابغة (٣) :
فسليت ما عندى بروحة عرمس |
|
تخبّ برحلى مرة وتناقل (٤) |
وربما تركوا المعنى الأول ، وقالوا «وعيس أو وهو جاء» وما أشبه ذلك ، كما قال علقمة (٥) :
إذا شاب رأس المرء أو قلّ ماله |
|
فليس له فى ودّهنّ نصيب |
وعنس بريناها كأنّ عيونها |
|
قوارير فى أدهانهن نصوب (٦) |
فإذا أرادوا ذكر الممدوح قالوا : إلى فلان ، ثم أخذوا فى مديحه ؛ كما قال علقمة (٧) :
وناجية أفنى ركيب ضلوعها |
|
وحاركها تهجّر ودءوب (٨) |
وتصبح عن غبّ السرى وكأنها |
|
مولّعة تخشى القنيص شبوب (٩) |
__________________
(١) هو امرؤ القيس ، اللسان (صوم).
(٢) الجسرة : الناقة العظيمة. والذمول : التى تسير سيرا لينا ؛ وصام النهار ؛ إذا اعتدل وقام قائم الظهيرة.
(٣) ديوانه : ٥٨.
(٤) العرمس : الصخرة ، وشبهت بها الناقة إذا كانت صلبة شديدة ، والمناقلة : أن تناقل يديها ورجليها فى السير ، وهو وضع الرجل مكان اليد.
(٥) ديوانه : ١٢.
(٦) العنس : الناقة القوية.
(٧) ديوانه : ١١.
(٨) ناجية : ناقة قوية. ركيب ضلوعها : ما ركب على ضلوعها من الشحم واللحم. الحارك : مقدم السنام.
(٩) القنيص : الصائد. الشبوب : الحسنة.