أحواله في حال الحرب ، فقيل له : ما هذه الحالة وأنت أشجع الناس؟ فقال : لم أمتحن خصمي فلعلّه أقوى منّي.
وأنّ إعجابه بكماله إن كان لكونه محلاً وقابلاً له فهو مسخّر تحت حكم الفاعل وليس له الا القبول والانفعال والفضل للمؤثّر الفاعل دونه. مع أنّ الاستعداد والقبول أيضاً من فيضه وفضله ، فإنه الخالق للأعضاء والجوارح والقوى والادراكات وغيرها ، وإن كان من تصوّر أنه البعث على حصوله وأنّه ناش عن قدرته ، فهو جهل منه بكون قدرته وأسبابه التي بها يحصل الكمال ويتمّ الأعمال من الكريم الواهب المتعال (١) من غير حق له عليه تعالى فبالحريّ أن يعجب من كرمه وفضله حيث أفاض عليه ما لايستحقّه وهو المنعم الحقيقي بجلائل النعم ودقائقها ، والواهب لصور الأشياء وحقائقها.
فالعجب ممّن يعجب بنفسه في عبادته أو عبادته أو غيرها مع عجزه عن جميع الأسباب والمصالح المؤدّية إلى ما أعجبه منها وعدم مدخليّته له فيها أصلاً ولا يعجب ممّن يستند إليه كل الأمور وهو الذي اختاره واجتباه وآثره واصطفاه على كثير من خلقه بتمكينهم من استعمال اللذّات التي أغفله عنها وذرأها (٢) عنه ، وصرف بواعث الخيرات عنهم وإعدادها له.
روي أنّ أيّوب النبيّ صلىاللهعليهوآله قال : « إلهي إنّك ابتليتني بهذا البلاء ، وماورد عليّ أمر الا آثرت هواك على هواي ، فنودي من غمامة بعشرة آلاف صوت : يا أيّوب أنّى لك ذلك؟ فأخذ رماداً فوضعه على رأسه وقال : منك ياربّ [ ، منك يا ربّ ] » (٣) فلو لا فضله ورحمته الواسعة ما زكى أحد » ولذا قال نبيّنا عليهالسلام الذي هو أشرف خلق الله سبحانه : « ما منكم من أحد ينجّيه عمله ، قالوا : ولا أنت يا رسول الله؟ قال : ولا أنا الا أن يتغمّدني الله برحمته ». (٤)
__________________
١ ـ كذا ، والصحيح : المتعالى.
٢ ـ كذا ، والصحيح : زواها كما في المحجة : ٦ / ٢٨٠.
٣ ـ المحجة اليضاء : ٦ / ٢٨١_٢٨٢.
٤ ـ المحجة البيضاء : ٦ / ٢٨٢.