ينادي بأنّ مراد الغزالي ذلك استدلاله الصبر على المحارم مما يقدر عليه كلّ مؤمن ، والصبر على البلاء مما لاينال الا ببضاعة الصدّيقين لظهور أنّ الأدنى ليس كذلك فظهر وجه الجمع بحمد الله تعالى.
بقى شيء وهو أنّ عدم كراهة المصبية وتلقّيها بالمحبّة مما يشكل تصوّره ، لأنّه غير مقدور للانسان ، إذ كيف يمكن الحبّ لما يؤلم القلب ويتنفّر عنه الطبع ، فلا يمكن إناطة التكليف به أصلاً.
ويشهد لذلك أنّ النبي صلىاللهعليهوآله مع كونه أشرف المقرّبين وأعظم الصدّيقين كان يقول في موت إبراهيم : العين تدمع والقلب يحزن.
وكذا يظهر من أحوال سيّدنا الحسين عليهالسلام في كربلاء حصول الكراهة القلبية والبكاء من مشاهدة مصارع أولاده وإخوانه ومواليه وجزع أهل بيته وغير ذلك.
فنقول : ليس المراد من المحبّة والكراهة في هذا المقام المحبّة والكراهة الذاتيان (١) ، إذ لا يتفوّه عاقل بأنّ موت الولد محبوب للطبع لذاته ، ضرورة كونه مكروهاً بالطبع حتى للنبي صلىاللهعليهوآله ، إذ لم يكن منزّهاً عن الطبيعة ولوازم الجسمية.
نعم صدوره من الله سبحانه بعد اليقين بأن ما يفعله محض الخير والمصلحة صار باعثاً لحبّه ، فالحبّ لله لاينافي الكراهة بالطبع ، كما أنّ ضرب الحبيب وايذاءه محبوب للمحبّ لا لذاته ، بل لكونه صادراً عن الحبيب ، وشرب الدواء المرّ والحجامة محبوبان لفاعلهما لا لذاتهما ، بل للعلم باشتمالهما على المصلحة.
هذا ، مع أن وصل إلى درجة الاستغراق في بحار معرفة الله وانسه والاحتراق من أنوار جلاله وقدسه فأفنى نفسه في حضرته بكمال حبّه ومعرفته لم يبق له الالتفات إلى مقتضى طبيعته ، بل لم يبق له طبع يميل إلى
__________________
١ ـ كذا ، والصحيح : الذاتيّين.