لذّات الدنيا أو يتنفّر عن مكارهها.
وأمّا حزن النبي صلىاللهعليهوآله على فوت إبراهيم وأمثاله فقد سبقت منّا الاشارة مراراً إلى عدم إمكان مقايسة أحوالهم بأحوالنا ، فإنّهم لأجل وصولهم إلى مرتبة جمع الجمع أعني العود بعد الوصول إلى الغاية من المرتبة البشرية للارشاد والهداية لهم جنبتان : جنبة لاهوتية بها اتّصالهم بعالم القدس والجبروت ، وجنبة ناسوتية مضاهية لمادّيات عالم الناسوت ، فكثيراً ما يصدر عنهم أمور خارجة عن طوق البشر هي من آثار الجنبة الربّانية ، كما قال علي عليهالسلام : « ما قلعت باب خيبر بقوّة جسمانية ». (١)
وكثيراً ما يظهر منهم أمور مترتّبة على طباع البشرية ، كما نقل أنّه عليهالسلام كان يضعف في بعض الأوقات بحيث لايقوى على كسر قرص الشعير ولايقدر عليه الا بالاستعانة بركبتيه ، فليس للأفهام القاصرة التشكيك أو الاعتراض فيما يترائى ظاهراً من البون البعيد والتفاوت الشديد في أفعالهم وأطوارهم والتناقض الظاهر فيما ينقل من أحوالهم وآثارهم.
تذنيب
إنّما يتمكّن من تحصيل الصبر بتقوية باعث اليقين وتضعيف باعث الهوى.
والاولى إنّما يمكن بكثرة الفكر فيما ورد في فضله من الآيات والأخبار ، وأنّ الجزء الموعود به أكثر من الفائت لقصره وتناهيه بخلافه ، وأنّ الاضطراب والجزع قبيح يضرّ بالدين والدنيا ، ولا الفائدة له الا حبط الثواب وجلب العقاب ، لأنّ المقدّر كائن ، كما قال علي عليهالسلام :
« إن صبرت جرت عليك المقادير وأنت مأجور ، وإن جزعت جرت عليك المقادير وأنت مأزور ». (٢)
__________________
١ ـ البحار : ٤٠ / ٣١٨ ، تاريخ أميرالمؤمنين عليهالسلام ، باب زهده وتقواه ، ح ٢.
٢ ـ جامع الأخبار : ١٣٦ ؛ نهج البلاغة : الحكمة ٢٩١ ، وفيه : « القدر بدل المقادير ».