واغتابوك ، وكذا المخالطة لاتخلو عن مشاهدة المنكرات ، فإن سكت عصى والانكار معرّض للمضارّ ، وربّما انجرّ إلى معاصي اخر كثيرة ، فإنّ فيه إثارة للفتنة والخصومة وتحريكاً لغوائل الصدور ، كما قيل :
وكم سقت في آثاركم من نصيحة |
|
وقد يستفيد البغضة المتنصّح |
وكذا الرياء ، فإنه ممّا يعسر على الأوتاد والأبدال فلابدّ للمخالط من المداراة وللمداري من المراءاة فيقع فيما وقعوا ، وأقلّه النفاق بإظهار الشوق والمبالغة في إظهار التلطّف والاشفاق مع خلوّ القلب وفراغ الخاطر عنه حتى إنّ ذلك أمر بيّن لدى المستمع وكثيراً مّا تمتلىء القلوب من الأحقاد مع انطلاق الألسنة بالسؤال ، والأخير داء دفين قلّما يتنبّه له الأذكياء ، فإنّ وقع الفساد يسقط بكثرة المشاهدة إلى أن يذعن الطّبع بالميل إليه أو إلى مادونه ، فإن كثرة مشاهدة الكبائر من الأمثال والأقران يحقّر الصغائر في النفس ، بل يكفي في تغيّر الطباع مجرّد السماع ، فضلاً عن المشاهدة.
ولذا قال صلىاللهعليهوآله : « عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة » (١) ، فإن سببه انبعاث الرغبة عن القلب في الاقتداء بهم ، لكون فعل الخير مبداً للرحمة ، والرغبة مبدأ له وذكراً أحوال الصلحاء مبدأ لها ، فإذا كان الذكر كذلك فما ظنّك بالمشاهدة وكثرتها والطبع اللئيم مائل إلى اتّباع الهفوات والاعراض من الحسنات ، بل تقدير الاولى فيمن ليست فيه تنزيلاً له على قضيّة الشهوة.
وفي النبوي : « مثل الذي يستمع الحكمة ثم لا يحمل منها الا شرّ ما سمع كمثل رجل أتى راعياً فقال له : أحرز لي شاة من الغنم ، فقال : اذهب فخذ خير شاة منها ، فذهب وأخذ باذن كلب الغنم » (٢) ، ولذا تستنكر الطباع ما قلّ وقوعه من المعاصي وإن كانت صغائر كتختّم الفقيه بالذهب ولبسه الحرير دون ما شاع كالغيبة مثلاً فتفطّن لهذه الدقائق وفرّ من الناس
__________________
١ ـ المحجة البيضاء : ٤ / ١٧ ، وفيه : « أجزر لي شاة ».
٢ ـ المحجة البيضاء : ٤ / ١٨.