ولو بالقصد ، وتعليمه ونصحه حيث إنّ حاجته إلى العلم أكثر من المال ، فإن كنت غنيّاً فيه لزمتك مواساته بتعليمه وإرشاده ومع عدم عمله نصيحته بتذكيره لفوائده وتحذيره عن آفاته وتخويفه بما يزجره وتنبيهه على عيوبه وتقبيح القبيح في عينه وتحسين الحسن في نظره بحيث لايطّلع عليه أحد حتّى لايخجل ولايفتضح فيحمله على العداوة دون الإشفاق والنصيحة ، فإنّ من العلامات الفارقة بين النصيحة والتفضيح الاعلان والاسرار ، وذلك لأنّ « المؤمن مرآة المؤمن » (١) كما ورد في النبوي ، فيستفيد به من عيوب نفسه ما لايستفيد بنفسه والعاقل يمتنّ من صديقه بإعلامه لما لا يعلمه بنفسه من عيوبه كما تمتن من الذي ينبّهك على حيّة أو عقربة تحت ذيلك همّت بإهلاكك فعيوب المرء حيّات لادعة وتألّم روحه منها أكثر من تألّم جسمه منها.
نعم ، يستوحش بإعلام ما يعلمه سيّما إذا كان مخفياً له عنه فلا ينبغي له كشفه وإظهاره حينئذ أصلاً ، وأمّا مع إظهاره له فلابدّ من التلطّف في النصح تعريضاً وتصريحاً بحيث لايؤدّي إلى الإيحاش ومع العلم بعدم تأثيره فيه وكونه مقهوراً عليه طبعاً ، فالسكوت أولى ، هذا فيما يتعلّق به من مصالحه.
وأمّا ما يتعلّق بك من تقصيره في حقّك فالواجب العفو والتحمّل والتعامي عنه وإن كان بحيث يؤدّي إلى القطيعة فالعتاب سرّاً أولى من التفضيح والتعريض به خير من التصريح ، والاحتمال خير من الكلّ.
والخامس. عفوك عن زلّته ، وهي إمّا في دينه أو في حقّك ، والاولى إن أصرّ عليها وجب عليك التلطّف في نصحه بما يؤدّي به إلى الورع والصلاح فإن لم ينجع قيل : وجب انقطاعه ، لأنّ خير المحبّة والبغض ما كان لله وفي الله.
وقيل لاتتركه لأنّه يعوج مرّة ويستقيم أخرى ، وأنّه أحوج ماكان
__________________
١ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٣٣٤.