ولا ريب في أن الاجتماع في مثله مع ما فيه من الإلف والأنس ومجاورة الأبدال والأوتاد والأخيار المجتمعين من أقطار البلاد وتعاون النفوس على التضرع والابتهال الموجب لسرعة الاجابة وذكر النبي صلىاللهعليهوآله وإجلاله الموجب لرقة القلب وصفاء النفس (١) ، هذا ، والحج لكونه من أعظم التكليفات وأشقها كالرهبانية لهذه الأمة ، فإنه لما اندرست الأعمال الشاقة والرياضات الصعبة المعهودة في الأمم السالفة بسبب الفترة ، وأقبل الناس على الشهوات وهجروا الطاعات والعبادات بعث الله محمداً صلىاللهعليهوآله لإحياء طريق الآخرة وتجديد سنة المرسلين ، فسأله أهل الملل عن الرهبانية والسياحة في دينة ، فقال صلىاللهعليهوآله : « أبدلنا بالرهبانية الجهاد والتكبر على كل شرف يعني الحج ـ وابدلنا بالسياحة الصوم ». (٢)
وهذه نعمة عظيمة من الله على هذه الامة.
وأما آدابه الباطنة : فاعلم أنه ينبغي للحاج عند توجهه إلى الحج مراعاة أمور :
أحدها : تجريد النية لله من غير شائبة ، فلا يكون غرضه إلا امتثال أمر الله ونيل ثوابه والحذر من عذابه ، وكلما دخل شوب الرياء أو الخوف من تفسيق الناس أو من الفقر لما اشتهر من أن تاركه يبتلى به أو قصد التجارة أو شغل آخر كان مخرجاً له عن الإخلاص وحاجباً عن الوصول إلى الغاية المقصودة ، وما أجهل حال من تحمل مثل هذه المشقة العظيمة لخيالات ضعيفة لايترتب عليها سوى الخسران ، ولايفهم أن من أقبح قصد الملك وحريمه لذلك.
والثاني : التوبة الخالصة ورد المظالم وقطع العلاقة الباعثة للالتفات إلى ماوراءه ليتوجه إليه تعالى بوجه قلبه ويقدر أنه لايعود وليكتب وصيته لأهله
__________________
١ ـ كذا ، والجملة كما ترى لاخبر لها.
٢ ـ المحجة البيضاء : ٢ / ١٩٧ مع اختلاف.