قليلا ويعلمون كثيرا فالإلهام نوع إيحاء ، والإيحاء مأخوذ من الوحي المستعمل في موارد متعددة في القرآن منها :
١ ـ بمعنى التقدير والإخبار :
كقوله تعالى : (إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها (٢) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها (٣) وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها (٤) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها (٥) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها (٦)) (الزلزلة / ٢ ـ ٦).
فالمعنى أنّه سبحانه قدّر في الأرض السّنن الطبيعية بحيث تخرج أثقالها من البشر للحساب ، فتشهد على أعمال بني آدم كما تشهد عليها أعضاؤهم وكتّاب الأعمال من الملائكة وشهداء الأعمال من البشر. وشهادة الأرض «بالإيحاء» على من كان فيها هل هو بإعطاء الحياة والشعور للأرض الميتة حتى تخبر عمّا وقع فيها أو دلالتها على ذلك بلسان الحال؟
لا يبعد صحة الرأي الأول ويشهد له قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) (الإسراء / ٤٥) وقوله تعالى : (حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢١) وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٢)) (فصلت / ٢١ ـ ٢٢). فيستفاد من هذه الآيات أنّ الحياة والشعور ساريان في كل الأشياء ، وإن كنّا عن هذا غافلين فلا يكشف له إلّا من ألقى السمع وهو شهيد (فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) (ق / ٢٣).
وبناء على الحركة في الجوهر «الحركة الجوهرية» التي أشاد بنيانها صدر المتألهين الشيرازي (قدسسره) فإنّ كل شيء ذا شعور وحياة يتجه نحو التكامل الجوهري أو العرضي النسبي بالقياس إلى الحقيقة المطلقة كما يشير إليه تعالى : (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) (البقرة / ١٥٧). فكلّ الكائنات بدء وجودها منه عزّ اسمه وإليه تنتهي في سيرها.
٢ ـ الإدراك الغريزي :
كما في قوله تعالى : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ) (النحل / ٦٩).