٣ ـ أن يعاد الروح إلى الجسد الأصلي وهو مذهب المليين من المسلمين والنصارى واليهود.
قال صدر المتألهين (قدسسره) :
اتفق المحققون من الفلاسفة والمليين على أحقية المعاد ، وثبوت النشأة الباقية ، لكنهم اختلفوا في كيفيّته ، فذهب جمهور الإسلاميين وعامّة الفقهاء وأصحاب الحديث إلى أنه جسماني فقط ، بناء على أنّ الروح عندهم جسم سار في البدن سريان النار في الفحم ، والماء في الورد والزيت في الزيتونة ، وذهب جمهور الفلاسفة وأتباع المشائين إلى أنّه روحاني أي عقليّ فقط لأنّ البدن ينعدم بصوره وأعراضه لقطع تعلّق النفس بها ، فلا يعاد بشخصه تارة أخرى ، إذ المعدوم لا يعاد والنفس جوهر باق لا سبيل للفناء إليه ، فتعود إلى عالم المفارقات لقطع التعلقات بالموت الطبيعي.
وذهب كثير من أكابر الحكماء ومشايخ العرفاء وجماعة من المتكلمين كالغزالي والكعبي والحليمي والراغب الأصفهاني وكثير من أصحابنا الإمامية كالشيخ المفيد وأبي جعفر الطوسي والمرتضى والمحقق الطوسي والحلّي رضوان الله تعالى عليهم أجمعين إلى القول بالمعادين ذهابا إلى أنّ النفس مجرّدة تعود إلى البدن (١).
والقول الأول واضح البطلان إذ لا دليل على ما ادّعوه ، كما سوف يأتي في النقطة الرابعة مضافا إلى مخالفته لنصوص القرآن والأحاديث المتواترة الدالّة على رجعة الأرواح إلى الأجساد.
وأما القول الثاني فمثل الأول بل أسخف منه لأنّ الروح عند هؤلاء هي جسم سار في البدن سريان النار في الفحم والماء في الورد والزيت في الزيتونة ، فإذا مات الجسد ماتت الروح ، فالإعادة تكون للجسد ، وكأنّ الأصالة ـ عندهم ـ للمادة لا للروح.
فالأصح القول الثالث وهو صحة المعادين جميعا الروح والبدن ، وعليه اتفاق جميع الملل والأديان إلّا من شذّ منهم.
__________________
(١) الأسفار : ج ٩ ص ١٦٥ م ٥.