تقول : (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ المُلْكُ) ، فهو الخالق وهو المربّي ولذا فهو المالك والحاكم ، ثمّ تجعل الآية هذه القضيّة مقدّمة لإثبات توحيد العبادة وتضيف : (لَاإلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ).
فيا أيّها الغافلون الجاهلون وياأيّها التائهون في وادي الضلالة! كيف تحيدون مع وجود هذه الدلائل الواضحة عن الإعتراف بخالقية الله وربوبيته ومالكيته؟! هذا الجزء من الآية يثبت في الحقيقة (توحيد العبادة) استناداً إلى (توحيد الحاكمية) لله تعالى وحاكميته بالإستناد إلى مسألة الخلق التي يذعن حتّى المشركون بأنّها مختصّة بالله عزوجل.
* * *
الآية الرابعة تنظر إلى قصّة طالوت وجالوت ، فقد كان جالوت جبّاراً ومجرماً وحاكماً على بني إسرائيل وقد آذاهم كثيراً.
وقد قام النبي (اشموئيل) (١) بطلب من بني إسرائيل بتنصيب (طالوت) الذي كان من القرويين الفقراء قائداً للجيش وحاكماً على بني إسرائيل!
أمّا الملأ من بني إسرائيل فقد احتجّوا على هذا الإنتخاب واعتبروا أنفسهم أرجح منه ، وذلك لما لهم من ثروة وفخامة! إلّاأنّ نبيّهم قال لهم بصراحة : (إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً) وأضاف : (إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِى العِلْمِ والجِسْمِ واللهُ يُؤْتِى مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ). (البقرة / ٢٤٧)
وعليه فانّه لا يكون حاكماً تكوينياً على عالم الوجود فحسب ، بل إنّ الحاكمية القانونية والتشريعية على المجتمع البشري هي لذاته المقدّسة ويمنحها لمن يشاء وإن كانت إرادته ومشيئته قائمة على أساس الأهلية واللياقة.
* * *
__________________
(١) احتمل بعض المفسّرين أنّه النبي شمعون أو يوشع ولكنّهما يبدوان بعيدين ، أمّا بالنسبة ليوشع الذي كان وصيّاًلموسى عليهالسلام فهو غير ممكن تقريباً.