صفتان ينبغي وجودهما في كلّ ملك وقائد ، فإنّ بالأول يدير النظم ويدبر الأمور وهما يتطلبان معرفة المصالح والمفاسد والعلم بخصوصيات الإدارة فإنّ الملك عبارة عن تدبير الرعية واستقرار السلطة عليهم بما يوجب وصولهم إلى الكمال اللائق بهم.
وبالثاني يمكن بسط نفوذه وهيبته في المجتمع وتحقيق إرادته وسلطته وهذه الآية تشير إلى ما هو القوام في كلّ ملك ورأي من العلم والشجاعة وأحدهما مكمّل للآخر فإنّ بالأول تساس الرعية بالصلاح وبالأخير يجلب الأمن والأمان في البلاد.
ومن ذلك يستفاد : أنّه لا دخل للمال ولا الشرف في الملك بل الملوكية الحقة تستلزم إيجاد المال لتدبير الملك.
قوله تعالى : (يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ).
حصر للملكية به تعالى وحده وبيان أنّ جميع المناصب الدنيوية تحت مشيته المباركة وإرادته المقدسة ، فهو الذي يفيض الملك على من يشاء ويمنعه عمن يشاء وليس لأحد الاعتراض عليه فهو السبب المطلق ، وتبيّن ذلك عدة آيات منها قوله تعالى : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران ـ ٢٦].
فلا يمكن أن ينال الملك بالمكر والحيلة والخديعة والكذب ، فإنّ الخلق عباد الله ولا يرضى لعباده ذلك.
هذا إذا كان الملك من قبل الله تعالى لأوليائه وأصفيائه قال تعالى : (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) [القصص ـ ٦٨] ، وأما الملك الظاهري الدنيوي فإنّه أمر اعتباري يدور مدار تحقق أسبابه ولكنّه أيضا لا بد أن ينتهي إلى قضاء الله وقدره اللذين يعمان كلّ ممكن ولكن رضاه وارتضاءه أخص منهما.
وهذه الإرادة والمشيئة وإن كانت مطلقة إلا أنّه تعالى لا يفعل ذلك