وإذا تأملنا في الشفاعة الدائرة في الاجتماع الإنساني نلاحظ أنّها تكون من متمّمات الأسباب ، فهي جزء المقتضي بالتعبير العلمي لا العلة التامة المنحصرة لأنّها لا تكون إلا فيما إذا كان المشفوع له قابلا في الجملة لنيل الغرض المترتب على الشفاعة فلا مجرى لها في ما لا قابلية له أصلا كما أنّها متوقفة على إذن المشفوع عنده للشفيع ، فإذا أراد فرد أن ينال كمالا أو خيرا يليق به ـ ماديا كان أو معنويا ـ أو أراد الخلاص من عقاب المخالفة بعد استحقاقه يلجأ إلى الشفاعة ، فيضم إلى سببه الناقص الذي عنده من لياقة أو نحوها سببية الشفيع الذي هو بدوره لا بد أن يكون مؤهّلا لقيامه بهذه الوساطة ، فالشفاعة من الأسباب المتمّمة في التأثير لا المستقلّة هذه هي الشفاعة الدائرة في المجتمع وإنّها تتقوم بأمور :
الأول : أن يكون المشفوع له مؤهلا وقابلا لنيل الغرض والمراد في الجملة وإن كان ناقصا من جهة فيتمم تلك الجهة بالشفاعة فلا أثر للشفاعة في ما لا قابلية له أصلا كالشفاعة لفرد أمي لا يعرف شيئا أن يحوز منصبا علميّا كبيرا أو الشفاعة للمشرك أن يدخل الجنة.
الثاني : الشفاعة إنّما تكون في الأمور الخارجية عن الذات كالكمالات الاكتسابية التي تكون بالاختيار أو الأمور الموجبة لمخالفة القانون بالاختيار.
الثالث : أنّه لا مجرى للشفاعة في الأمور التكوينية والأسباب الطبيعية سواء كانت من الخير والشر أو النفع والضر إلا بالعناية فيها فلا بد من الرجوع إلى أسبابها الطبيعية والوسائل المناسبة فإنّ العطش مثلا إنّما يرتفع بالارتواء والشرب ، والجوع بالأكل ، والمرض بالدواء ، والحر بالوسائل المناسبة ، والبرد باللبس وغير ذلك من الأمور الطبيعية ولا أثر للشفاعة فيها. نعم في جملة من التكوينيات يكون انضمام شيء إلى شيء آخر موجبا لحصول الغرض المقصود وتسمية ذلك بالشفاعة تكون بالعناية.
الرابع : أنّ الشفيع إنّما يكون جزء متمما آخر منضما لسببية المشفوع له إذا كان بحد نفسه قابلا للقيام بالسببية ومؤهلا لها فيتوسط بين المشفوع له