في ذلك فيصح أن يقال : إنّ لهم الشفاعة بعد الإذن من سيد الأنبياء وليس لهم تلك قبل الاستيذان منه كما تقدم في بعض الروايات فإنّ لهم القابلية والاستعداد لهذه المنزلة الكريمة والمقام العظيم فقد ذكرنا أنّه ليس كلّ أحد ينال هذه الموهبة الإلهية بل لا بد من الاستعداد الذاتي الذي لا يعلمه إلا الله تعالى.
نعم ، يمكن الحصول على هذا الاستعداد بالإيمان والأعمال الصالحة والمجاهدات الحقة ، ولذلك تختلف مراتب الشفاعة حسب اختلاف الاستعدادات وتشتد مراتبها كما وكيفا باشتداد مراتب المعارف المعنوية التي يحيط بها نفس الشافع ، وأصل ذلك كلّه شروق نور أزلي على النفس فيضيء وتستضيء منه النفوس المستعدة فهو الشافع الشفيع ، وهو النور المضيء ، وبأنواره تجلّت قلوب العارفين وبها حصلت بشارة المخبتين ومنها تتلألأ سيماء المؤمنين والجميع يسرعون حسب مقاماتهم ودرجاتهم إلى جنات النعيم فلا أول لهم إلا من الله ولا آخر لهم إلا إليه فهم أظهروا حقيقة العبودية فأحاطت بهم العنايات الربوبية ، وكشفت عن بصائرهم الحجب فادهشوا بما أدركوا من أنوار رب الأرباب.
ترى المحبّين صرعى في ديارهم |
|
كفتية الكهف لا يدرون كم لبثوا |
ومن ذلك يظهر أنّ كلّ من سعى بحسب جهده إلى الوصول إلى هذا المقام ينال هذه الموهبة الإلهية والفيض الرباني سواء في ذلك الأنبياء والأوصياء والعلماء والمؤمنون كلّ حسب استعداده.
وعلى ذلك يحمل ما ورد من الاختلاف في شفاعة الأنبياء ورجوعهم إلى نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) فإنّه إمامهم وهو أكملهم وله المقام المحمود ففي الحديث في قوله تعالى : (وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) قال (عليهالسلام) : «لا يشفع أحد من أنبياء الله ورسله حتّى يأذن الله له إلا رسول الله فإنّ الله أذن له في الشفاعة قبل يوم القيامة والشفاعة له ثم من بعد ذلك للأنبياء» وتقدم ما يدل على ذلك.
ومنهم بنت خاتم الأنبياء وسيدة النساء الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء