والعمل بها يوصل العبد إلى الكمال المطلق ويفاض عليه من المولى ما لا يمكن دركه بالحواس الظاهرة. وأنّها أطهر لنفوس المؤمنين من الرذائل وتحليتها بالفضائل والكمالات. ففي المقام إنّ الحكم السابق والارتداع عن منع الزوجة من نكاح الزوج إرجاع إلى الوصل بعد الفصل ويزيد كمالات النفس وتتربّى على الملكات الفاضلة كالحياء والعفة وتتحفظ عن الوقوع في الحرام.
فالآية المباركة تبيّن بعض الحكم والمصالح في هذه الأحكام ، وهي ترشد الإنسان إلى أنّ المهمّ هو طهارة النّفس والعمل بالأحكام الشرعية من طرق تحصيلها ، وقد اهتم الإسلام بتطهير الروح والنفس.
والمستفاد من مجموع الآيات الشريفة : أنّه الغاية المتوخاة من تشريع الأحكام الإلهية.
قوله تعالى : (وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ).
أي : أنّكم لا تعلمون الأحكام ومصالحها وحكمها إلا ما يعلّمكم الله تعالى ، وهذه قضية عقلية أثبتها محققوا الفلاسفة قديما وحديثا من أنّ العلم بالحقائق المستورة عن الحواس الظاهرية لا يحصل إلا لمن كان منزّها عن المادة والماديات ، والله تبارك وتعالى فوق ما نتعقله من التنزه عنها ، فيكون علمه بالحقائق تاما ولا بد أن يكون كذلك لأنّ علمه عين ذاته وذاته لا تدرك فعلمه أيضا كذلك.
وأما عدم علم من سواه بشيء الا ما يعلّمه الله بواسطة أنبيائه فلفرض تعلق النفس بالمادة وهو مانع عن العلم بالحقائق وبقدر تجرد النفس عنها تنكشف لها الحقائق قال تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ) [البقرة ـ ٢٨٢] ، فما هو الدائر بين الناس لا يكون إلا من كشف الظواهر بالظواهر كما هو معلوم.