قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٥٤)) (١) [البقرة : ٢ / ٢٥٤]. هذه الآية ـ كما قال ابن جريج ـ شاملة الزكاة المفروضة والتطوع ، وهذا صحيح ، فالزكاة واجبة ، والتطوع في وجوه الخير مندوب إليه. وظاهر الآية يراد بها جميع وجوه البّر : من سبيل خير ، وصلة رحم ، وبناء مسجد أو مشفى أو مدرسة ، وإحسان إلى فقير ، وتسليح جيش وإغاثة ملهوف ، وإعانة منكوب ، وإعطاء مفلس أو ابن سبيل منقطع عن السفر إلى بلاده ، يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه أبو داود في مراسليه : «حصّنوا أموالكم بالزكاة ، وداووا مرضاكم بالصدقة».
ندب الله تعالى بهذه الآية إلى إنفاق شيء مما أنعم به ، وحذر تعالى من البخل أو الإمساك إلى أن يجيء يوم لا يمكن فيه بيع ولا شراء ولا استدراك نفقة في ذات الله ومن أجل رضوان الله ، ذلك اليوم الذي لا يجد فيه الإنسان ما ينجيه أو يؤازره غير عمله الصالح ، وعقيدته الصحيحة ، لا تنفع فيه الصداقة والمحبة أو الخلّة ، ولا تفيد فيه شفاعة الشفعاء والوسطاء ، فهذا يوم الجزاء والثواب والعقاب ، يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. يوم يظهر فيه فقر العباد إلى الله الواحد القهار ، والكافرون بنعم الله الجاحدون حقوق المال المشروعة هم الظالمون لأنفسهم فقط ، والظالمون : واضعو الشيء في غير موضعه ، قال عطاء بن دينار : الحمد لله الذي قال : (وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) ولم يقل : الظالمون هم الكافرون ، أي لأن معنى الآية أن كل كافر ظالم ، وليس كل ظالم كافرا ، ولو قال : والظالمون هم الكافرون ، لكان قد حكم على كل ظالم (وهو من يضع الشيء في غير موضعه) بالكفر.
إن الشفاعة المعدومة يوم القيامة هي الشفاعة الصادرة من الناس بغير إذن الله
__________________
(١) مودة وصداقة.