وهذا التصميم من قائد الأمة ينعكس أثره الحماسي الطيب على الجيش ، فيقدم ولا يحجم ، ويتفانى ويضحي ويسجل أرفع البطولات ، ولا ينهزم أو يتردد. وحينئذ يكون النصر الإلهي ، كما جاء في الآية : عسى الله أن يرد عنك أيها النبي بأس (أي شدة وقوة) الذين كفروا وهم قريش ، والله أشد بأسا أي قوة ، وأشد تنكيلا أي تعذيبا ومعاقبة ، وهو قادر عليهم في الدنيا والآخرة ، لكفرهم وجرأتهم على الحق ، وقد تحقق ذلك فعلا فقد كان النصر لنبي الله وصحبه حينما خرج في بدر الصغرى في السنة الثالثة بعد غزوة أحد ، ومعه سبعون فقط ، فلما سمع أبو سفيان قائد قريش بخروج النبي ، رجع من الطريق ، وعاد إلى مكة ، وتحقق النصر للمؤمنين ، وصرفه الله عن النبي صلىاللهعليهوسلم.
الشفاعة والتحية
يتكل الناس عادة بعضهم على بعض في كثير من الأمور ، لا سيما في طلب الحوائج والوظائف أو في القيام بعمل من الأعمال أو التفكير في تحقيق مشروع من المشروعات ، ويهملون في أغلب الأحوال طلب النصرة والعون من الله تعالى ، والله سبحانه هو الذي ينبغي الاعتماد عليه في كل شيء ، وتفويض جميع الأمور إليه بعد اتخاذ الأسباب العادية من جدّ واجتهاد ، وأداء عمل ، وقيام بفعل ، أما إنجاز النتائج وتحقيق الغايات فمتروك للفاعل المؤثر في الحياة وهو الله عزوجل.
وفي الاتكال على البشر ونسيان جانب الله : صنوف من المذلة والهوان أحيانا ، والتماس الحلول بالوساطة أو الشفاعة غير المشروعة أحيانا أخرى ، ذلك أن الشفاعة أو التوسط في أمر ما نوعان : شفاعة حسنة وشفاعة سيئة ، والشفاعة الحسنة : ما كانت فيما استحسنه الشرع ورضيه ، ولا ضرر فيه لآخرين ، والشفاعة السيئة : ما كرهه الشرع أو حرمه ونهى عنه ، وكان فيه ضرر للناس.