لكن ينبغي أن نعلم أن حدّ السرقة لا يقام على السراق إلا بشروط كثيرة ، فيشترط أن يكون السارق بالغا عاقلا ، لا صبيّا ولا مجنونا ، وألا يكون مأذونا له في الدخول إلى مكان الأموال ، لا ضيفا أو خادما ، ولا قريبا ذا رحم محرم من المسروق منه ، ولا مالكا للمسروق ، وأن يكون المسروق مقدّرا بنصاب شرعي وهو دينار ذهبي فأكثر في رأي الحنفية ، أو ربع دينار في مذهب الجمهور ، وأن يكون المسروق مالا متقوما ، أي يباح الانتفاع به شرعا ، لا كنحو خمر أو خنزير أو كلب أو ميتة أو دم مثلا.
وهناك شرط عام في الحدود كلها وهو ألا توجد شبهة ؛ فالحدود تدرأ بالشبهات ، وباب الشبهة واسع يجعل إمكان تطبيق الحدّ نادرا ، وينتقل حينئذ إلى عقوبة تعزيرية أخرى غير الحدّ ، كالحبس والضرب والتوبيخ. ومن تاب من فعله وأصلح نفسه ، سقطت عقوبته ، والله يحبّ التائبين.
المسارعة في الكفر
أنزل الله تعالى الكتب السماوية كالتوراة والإنجيل والقرآن متضمنة الشرائع الإلهية لتنظيم الحياة البشرية ؛ لأن الحياة التي لا يضبطها تشريع أو قانون هي حياة فوضوية تشبه حياة الغابة ، لا سعادة ولا أمن ولا قرار فيها ، القوي يأكل الضعيف ، والكبير يستبدّ بالصغير ، والمتنفّذ يظلم غيره ويجور في حكمه وتعامله معه بحسب أهوائه ونزواته ومطامعه وشهواته. لذا استنكر القرآن الكريم معاداة الشرائع والكتب الإلهية ، ووصف المتجاوزين لأحكامها بأنهم يسارعون في الكفر ويبادرون إلى الضلال ويعملون بالأخلاق المرذولة ، فقال الله تعالى مسرّيا ومقوّيا نفس نبيّه محمد صلىاللهعليهوسلم بسبب ما كان يلقى من طوائف المنافقين وبني إسرائيل :