في مال أو جاه أو رضا الآخرين ، فمتاع الدنيا قليل ، والرشوة سحت حرام لا بقاء لها ولا بركة فيها ، واعلموا أيها العلماء أن من لم يحكم بما أنزل الله ، فأولئك هم الكافرون الذين ستروا الحق.
واعلموا أيها الأحبار العلماء أننا أنزلنا التوراة ، وفرضنا فيها على بني إسرائيل عقوبة القصاص من القتلة ، على أساس المساواة والمماثلة ، فتقتل النفس بالنفس ، وتفقأ العين بالعين ، ويجدع الأنف بالأنف ، وتقطع الأذن بالأذن ، ويقلع السّن بالسّن ، ويجري القصاص أي التماثل في الجروح والاعتداءات على الأعضاء. لكن من عفا عن الجاني وتصدق بحقه في القصاص ، فالتّصدق كفارة له ، يستر الله بها ذنوبه ويعفو عنه ، والعفو أفضل ، قال الله تعالى : (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) [البقرة : ٢ / ٢٣٧]. ومن أعرض عن تشريع القصاص القائم على العدل والمساواة بين الناس ، ولم يحكم به في القضاء ، فأولئك هم الظالمون أنفسهم وغيرهم ، الذين يتعدون حدود الله ، ويضعون الشيء في غير موضعه.
ثم ذكر الله تعالى في قرآنه أن التوراة شريعة أنبياء بني إسرائيل ، فقال : وأتبعنا مجيء النّبيين وذهابهم والسّير على آثارهم بعيسى ابن مريم عليهالسلام ، فهو آخر نبي لبني إسرائيل ، مصدّقا للتّوراة التي تقدمته قولا وعملا ، أي مقرّا بأنه كتاب من عند الله وأنه حق واجب العمل به ، يعمل بها فيما لم يغاير الإنجيل ، وأخبر الله تعالى أنه أعطى عيسى الإنجيل فيه الهدى ، أي الإرشاد والدعوة إلى توحيد الله وإحياء أحكامه وشرائعه ، وفيه النّور : وهو أن ما فيه مما يستضاء به ، وأن الإنجيل مصدق ومؤيد لما جاء في التوراة ، وهو أيضا سبب للاهتداء به وإرشاد الناس في المستقبل لما يأتي بعد الإنجيل وهو القرآن ، ونبي الإسلام ، والإنجيل كذلك موعظة حسنة للمتقين لاشتماله على النصائح والإرشادات البليغة ، وخصّ المتقون بالذكر ؛ لأنهم المقصودون به في