إلى الصلاة بالأذان ، اتّخذوا النّداء والصلاة هزوا ولعبا ، فقالوا : قد قاموا لا قاموا ، إلى غير هذا من الألفاظ التي يستخفّون بها في وقت الأذان وغيره. وفعلهم هذا ؛ لأنهم لا يعقلون معاني عبادة الله وشرائعه ، وهم أشبه بالشيطان الذي يفرّ ويدبر إذا سمع الأذان.
ولكنهم مع الأسف لا يقدّرون تأثير الأذان في القلوب ، وتطهير النفوس وتزكيتها وربطها بعظمة الله وكبريائه ، وتذكيرها بضرورة الخوف من الله في السّر والعلن.
ثم أمر الله تعالى نبيّه صلىاللهعليهوسلم أن يقول لأهل الكتاب : هل تعدّون ذنبا أو نقيصة إيماننا الثابت الراسخ بالله ورسله ، وإيماننا بما أنزل إلينا وبما أنزل من الكتب السابقة على الرّسل الكرام ، والحق أنهم بهذا الهزء واللعب أكثرهم فاسقون ، أي خارجون عن حدود الدين الصحيح والرأي السليم والعقل الرشيد. وليس لهم من الدّين إلا التّعصب والحقد ، والمظاهر والتقاليد الجوفاء.
ثم أجابهم الله تعالى عن استهزائهم ، فقل لهم يا محمد : هل أخبركم أيها المستهزئون بديننا ، الواصفون ديننا بأنه شرّ ، إنه لا شرّ ولا ضلال أشدّ من دين الملعونين الذين لعنهم الله وغضب عليهم بسبب سوء أفعالهم ، وطردهم من رحمته ، وغضب عليهم غضبا أبديا ، وجعل منهم القردة والخنازير ، وأطاع الشيطان ، وعبد الأصنام والعجل ، أولئك المتّصفون بتلك الصفات من الأجداد والأحفاد شرّ مكانا مما تظنون بنا ؛ لأن مكانهم النار ، وهم أضلّ الناس عن طريق الاستقامة والاعتدال والحق الواضح.
وبلغ من سوء الأعداء وخاصة المنافقين منهم أن الكفر ملازم لهم ، فإذا جاؤوا إلى الرسول والمؤمنين ، قالوا : آمنّا بالرّسول وبما أنزل عليه ، والحال أنهم دخلوا وهم كفار ، وخرجوا كذلك ، لم تنفعهم الموعظة ، ولم يؤثر فيهم التذكير ، والله أعلم بما