فقام بواجبه أتم القيام ، بلّغ الرسالة ، وأدّى الأمانة ، ونصح الأمة ، فجزاه الله خير الجزاء. والمعنى : أيها الرسول ، بلّغ جميع ما أنزل إليك من ربّك ، لا تخش أحدا ، ولا تخف من شيء ، فإنك إن لم تبلّغ كل المنزل إليك ، فما بلّغت رسالة الله ، فالتّبليغ حتم لازم ، وفوري لا يتأخر ، ولا يجوز تأجيل شيء عن وقته. ولا داعي لأحد يحرسك ، فالله يحميك ويحفظك من شرّ الناس ، والله لا يوفق الكافرين للإساءة إليك ، ولا يمكّنهم مما يريدون إنزاله بك من الهلاك.
قالت عائشة رضي الله عنها : من زعم أن محمدا كتم شيئا من الوحي ، فقد أعظم الفرية ، والله تعالى يقول : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ) الآية. وقال عبد الله بن شقيق : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يتعقبه أصحابه يحرسونه ، فلما نزلت : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) خرج فقال : «يا أيها الناس ، ألحقوا بملاحقكم ، فإن الله قد عصمني».
ثم أمر الله تعالى محمدا عليه الصّلاة والسّلام أن يقول لأهل الكتاب المعاصرين له :
لستم على شيء مستقيم حتى تقيموا وتطبّقوا التوراة والإنجيل في الأمر بتوحيد الله الخالص والعمل الصالح ، والإيمان بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، والعمل بالقرآن ، المنزل إليكم من ربّكم ، ونحن المسلمون من باب أولى : لسنا على شيء أبدا حتى نعمل بأحكام القرآن. ثم أقسم الله قسما مفاده أنه ليزيدن القرآن المنزل إليك من ربّك طغيانا أو تجاوزا للحدّ في الظلم على طغيان ، وكفرا على كفر ، بسبب الحسد الكامن ، فلا تحزن يا محمد ولا تتأسّف عليهم ، لزيادة طغيانهم وجحودهم ، فإن ضرر ذلك راجع إليهم لا إليك ، وفي نصرة المؤمنين بك غنى عنهم. والقليل منهم يزيدهم القرآن هدى ورشادا وتوفيقا للسعادة.
والقانون العام الإلهي : هو أن الله تعالى يغفر لكل مؤمن ، فالذين صدقوا بالله